الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } * { فِيهِ ءَايَٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ }

{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً } لا اختلاف بين أهل التفسير أنه أول بيت وضع للعبادة، وإنما اختلفوا هل كان أول بيت وضع لغيرها على قولين:

أحدهما: أنه قد كانت قْبْله بيوت كثيرة، وهو قول الحسن.

والثاني: أنه لم يوضع قبله بيت، وهذا قول مجاهد، وقتادة.

وفي { بَكَّة } ثلاثة أقاويل:

أحدها: أن بكة المسجد، ومكة: الحرم كله، وهذا قول ابن شهاب، وضمرة بن ربيعة.

والثاني: أن بكة هي مكة، وهو قول أبي عبيدة.

والثالث: أن بكة موضع البيت، ومكة غيره في الموضع يريد القرية، وروي ذلك عن مالك.

وفي المأخوذ منه بكة قولان:

أحدهما: أنه مأخوذ من الزحمة، يقال تَبَاّك القوم بعضهم بعضاً إذا ازدحموا، فبكة مُزْدَحَمُ الناس للطواف.

والقول الثاني: أنها سميت بكة، لأنها تَبُكُّ أعناق الجبابرة، إذ ألحدواْ فيها بظلم لم يهملواْ.

وفي قوله: { مُبَارَكاً } تأويلان:

أحدهما: أن بركته ما يستحق من ثواب القصد إليه.

والثاني: أنه آمن لمن دخله حتى الوحش، فيجتمع فيه الصيد والكلب. { فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ } الآية في مقام إبراهيم أثر قدميه وهو حجر صلد؟ والآية في غير المقام: أمن الخائف، وهيبة البيت وامتناعه من العلو عليه، وتعجيل العقوبة لمن عتا فيه، وما كان في الجاهلية من أصحاب الفيل.

{ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } معناه أنه عطَّف عليه قلوب العرب في الجاهلية فكان الجاني إذا دخله أمِنَ.

وأما في الإسلام ففيه قولان:

أحدهما: أنه من النار، وهذا قول يحيى بن جعدة.

والثاني: من القتال بحظر الإيجال على داخليه، وأما الحدود فتقام على من جنى فيه.

واختلفواْ في الجاني إذ دخله في إقامة الحد عليه فيه قولان:

أحدهما: تقام عليه، وهو مذهب الشافعي.

والثاني: لا تقاوم حتى يُلجأ إلى الخروج منه، وهو مذهب أبي حنيفة.

{ وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً } وفي الاستطاعة ثلاثة أقاويل:

أحدها: أنها بالمال، وهي الزاد والراحلة، وهو قول الشافعي.

والثاني: أنها بالبدن، وهو قول مالك.

والثالث: أنها بالمال والبدن، وهو قول أبي حنيفة.

{ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } وفيه ثلاثة تأويلات:

أحدها: يعني [من كفر] بفرض الحج فلم يره واجباً، وهو قول ابن عباس.

والثاني: هو لا يرى حَجَّهُ براً ولا تركه مأثماً، وهو قول زيد بن أسلم. والثالث: اليهود، لأنه لما نزل قوله تعالى: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنهُ } فقالواْ نحن مسلمون فأُمِرُوا بالحج فلم يحجوا، فأنزل الله هذه الآية.