{ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ } يعني يوم بدر. { أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَن يُمدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ ءَالآفٍ مِنَ الْمَلآَئِكَةِ مُنزَلِينَ } والكفاية مقدار سد الخلة، والاكتفاء الاقتصار عليه، والإمداد إعطاء الشيء حالاً بعد حال، والأصل في الإمداد هو الزيادة ومنه مد الماء وهو زيادته. { بَلَى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيِأْتُوكُم مِّن فَورِهِم هَذَا } فيه تأويلان: أحدهما: يعني من وجههم هذا، وهو قول ابن عباس، والحسن، وقتادة. والثاني: من غضبهم هذا، وهو قول مجاهد والضحاك وأبي صالح، وأصل الفور فور القِدْر، وهو غليانها عند شدة الحمى، ومنه فَوْرُ الغضب لأنه كَفَوْرِ القِدْر. { يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسِةِ ءالآفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ } قرأ بكسر الواو ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، ومعناها: أنهم سوّموا خليهم بعلامة، وقرأ الباقون بفتح الواو، ومعناها: أنها سائمة وهي المرسلة في المرعى. واختلفوا في التسويم على قولين: أحدهما: أنه كان بالصوف في نواصي الخيل وآذانها، وهو قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، ومجاهد، والضحاك. الثاني: أن الملائكة نزلت يوم بدر على خيل بلق وعليهم عمائم صفر، وهو قول هشام بن عروة. واختلفواْ في عددهم فقال الحسن: كانواْ خمسة آلاف، وقال غيره كانواْ ثمانية آلاف. قال ابن عباس لم يقاتل الملائكة إلا يوم بدر. { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَروا } فيه قولان: أحدهما: أنه كان يوم بدر بقتل صناديدهم وقادتهم إلى الكفر، وهذا قول الحسن وقتادة. والثاني: أنه كان يوم أحد، كان الذي قتل منهم ثمانية عشر رجلاً، وهذا قول السدي. { لِيَقْطَعَ طَرَفاً } ولم يقل وسطاً لأن الطرف أقرب للمؤمنين من الوسط، فاختص القطع بما هو إليهم أقرب كما قال تعالى:{ الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ الْكُفَّارِ } [التوبة:123] { أَوْ يَكْبِتَهُم فَيَنقَلِبُوا خَآئِبِينَ } ، وفي { يَكْبِتَهُم } قولان: أحدهما: يحزنهم، وهو قول قتادة، والربيع. والثاني: الكبت: الصرع على الوجه، وهو قول الخليل. والفرق بين الخائب والآيس أن الخيبة لا تكون إلا بعد أمل، واليأس قد يكون قبل أمل. { لَيسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيءٌ } فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: ليس لك من الأمر شيء في عقابهم واستصلاحهم، وإنما ذلك إلى الله تعالى في أن يتوب عليهم أو يعذبهم. والثاني: ليس لك من الأمر شيء فيما تريده وتفعله في أصحابك وفيهم، وإنما ذلك إلى الله تعالى فيما يفعله من اللطف بهم في التوبة والاستصلاح أو في العذاب والانتقام. والثالث: أنزلت على سبب لما كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم. واختلفوا في السبب فيه على قولين: أحدهما: أن قوماً قالوا بعد كسر رباعيته: كيف يفلح قوم نالوا هذا من نبيهم، وهو حريص على هدايتهم فنزلت هذه الآية، وهذا قول ابن عباس، وأنس بن مالك، والحسن وقتادة، والربيع. والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم هَمَّ بعد ذلك بالدعاء فأستأذن فيه، فنزلت هذه الآية فكف وإنما لم يؤذن فيه لما في المعلوم من توبة بعضهم.