الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } * { فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ }

قوله تعالى: { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ } قال عكرمة: عرضت لموسى أربع طرق فلم يدر أيتها يسلك.

{ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السَّبِيلِ } وفيه وجهان:

أحدهما: أنه قال ذلك عند استواء الطرق فأخذ طريق مدين، قاله عكرمة.

الثاني: أنه قال ذلك بعد أن اتخذ طريق مدين فقال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل أي قصد الطريق إلى مدين، قاله قتادة والسدي. قال قتادة: مدين ماء كان عليه قوم شعيب.

قوله تعالى: { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ } قال ابن عباس: لما خرج موسى من مصر إلى مدين وبينه وبينهما ثماني ليل ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر وخرج حافياً فما وصل إليها حتى وقع خف قدميه.

{ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ } أي جماعة. قال ابن عباس: الأمة أربعون.

{ يَسْقُونَ } يعني غنمهم ومواشيهم.

{ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ } فيه وجهان:

أحدهما: تحبسان، قاله قطرب، ومنه قول الشاعر:

أبيتُ على باب القوافي كأنما   أذود بها سِرباً من الوحش نُزَّعا
الثاني: تطردان. قال الشاعر:

لقد سلبت عصاك بنو تميم   فما تدري بأيِّ عصى تذود
وفيه ثلاثة أقاويل:

أحدها: أنهما تحبسان غنمهما عن الماء لضعفهما عن زحام الناس. قاله أبو مالك والسدي.

الثاني: أنهما تذودان الناس عن غنمهما، قاله قتادة.

الثالث: تمنعان غنمهما أن تختلط بغنم الناس، حكاه يحيى بن سلام.

{ قَالَ مَا خَطْبَكُمَا } أي ما شأنكما، وفي الخطب تضخيم الشيء ومنه الخطبة لأنها من الأمر المعظم.

{ قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَآءُ } والصدور الانصراف، ومنه الصّدر لأن التدبير يصدر عنه، والمصدر لأن الأفعال تصدر عنه. والرعاء جمع راع.

وفي امتناعهما من السقي حتى يصدر الرعاء وجهان:

أحدهما: تصوناً عن الاختلاط بالرجال.

الثاني: لضعفهما عن المزاحمة بماشيتهما.

{ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } وفي قولهما ذلك وجهان:

أحدهما: أنهما قالتا ذلك اعتذاراً إلى موسى عن معاناتهما سقي الغنم بأنفسهما.

الثاني: قالتا ذلك ترقيقاً لموسى ليعاونهما.

{ فَسَقَى لَهُمَا } فيه قولان:

أحدهما: أنه زحم القوم عن الماء حتى أخرجهم عنه ثم سقى لهما، قاله ابن إسحاق.

الثاني: أنه أتى بئراً عليه صخرة لا يقلها من أهل مدين إلا عشرة فاقتلعها بنفسه وسقى لهما. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ولم يستق إلا ذنوباً واحداً حتى رويت الغنم.

{ ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ } قال السدي: إلى ظل الشجرة وذكر أنها سَمْرة.

{ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } قال ابن عباس: قال موسى ذلك وقد لصق بطنه بظهره من الجوع وهو فقير إلى شق تمرة ولو شاء إنسان لنظر إلى خضرة أمعائه من شدة الجوع.

قال الضحاك: لأنه مكث سبعة أيام لا يذوق طعاماً إلاّ بقل الأرض؛ فعرض لهما بحاله فقال { رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } فيه قولان:

أحدهما: شبعة من طعام، قاله ابن عباس.

الثاني: شبعة يومين، قاله ابن جبير.