الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } * { قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } * { قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } * { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ }

قوله: { قَالَتْ يَآ أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي } أشيروا عليّ في هذا الأمر الذي نزل بي فجعلت المشورة فتيا وقيل: إنها أول من وضع المشورة.

{ مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونَ } أي ممضية أمراً، وفي قراءة ابن مسعود قاضية أمراً، والمعنى واحد.

{ حَتَّى تَشْهَدُونَ } فيه وجهان.

أحدهما: حتى تشيروا، قاله زهير.

الثاني: حتى تحضرواْ، قاله الكلبي.

قوله تعالى: { قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍ } أي أهل عدد وعدة.

{ وَأُوْلُواْ بَأْسٍ شَدِيدٍ } أي شجاعة وآلة، وفي هذا القول منهم وجهان:

أحدهما: تفويض الأمر إلى رأيها لأنها المدبرة لهم.

الثاني: أنهم أجابوها تبادرين إلى قتاله، قاله ابن زيد.

قال مجاهد: كان تحت يدي ملكة سبأ اثنا عشر ألف قيل تحت كل قيل مائة ألف مقاتل وهذا بعيد.

{ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ } الآية. عرضوا عليها الحرب وردواْ إليها الأمر، قال الحسن: ولّوا أمرهم علجة يضطرب ثدياها، حدث أبو بكرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ ".

قوله: { قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا } قال ابن عباس أخذوها عنوة، وأفسدوها، وخربوها.

ويحتمل وجهاً آخر: أن يكون بالاستيلاء على مساكنها وإجلاء أهلها عنها.

{ وَجَعَلُواْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً } أي أشرافهم وعظماءهم أذلة وفيه وجهان:

أحدهما: بالسيف، قاله زهير.

الثاني: بالاستعباد، قاله ابن عيسى.

ويحتمل ثالثاً: أن يكون بأخذ أموالهم وحط أقدارهم.

{ وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ } فيه قولان:

أحدهما: أن هذا من قول الله، وكذلك يفعل الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، قاله ابن عباس.

الثاني أن هذا حكاية عن قول بلقيس: كذلك يفعل سليمان إذا دخل بلادنا، قاله ابن شجرة.

قوله تعالى: { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ } اختلف فيها على أربعة فيها على أربعة أقاويل:

أحدها: أنها كانت لبنة من ذهب، قاله ابن عباس.

الثاني: أنها كانت جوهَراً، قاله ابن جبير.

الثالث: أنها كانت صحائف الذهب في أوعية الديباج، قاله ثابت البناني.

الرابع: أنها أهدت غلماناً لباسهم لباس الجواري، وجواري لباسهم لباس الغلمان، قاله مجاهد، وعكرمة وابن جبير، والسدي، وزهير، واختلف في عددهم فقال سعيد بن جبير: كانوا ثمانين غلاماً وجارية، وقال زهير كانوا ثمانين غلاماً وثمانين جارية.

{ فَنَاظِرةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ } قال قتادة: يرحمها الله إن كانت لعاقلة في إسلامها وشركها، قد علمت أن الهدية تقع موقعها من الناس.

واختلف فيما قصدت بهديتها على قولين:

أحدهما: ما ذكره قتادة من الملاطفة والاستنزال.

الثاني: اختبار نبوته من ملكه، ومن قال بهذا اختلفوا بماذا اختبرته على قولين:

أحدهما: أنها اختبرته بالقبول والرد، فقالت: إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه على ملككم وإن لم يقبل الهدية فهو نبي لا طاقة لكم بقتاله، قاله ابن عباس وزهير.

الثاني: أنها اختبرته بتمييز الغلمان من الجواري،ومن قال بهذا اختلفوا بماذا ميزهم سليمان عل ثلاثة أقوال.

أحدها: أن أمرهم بالوضوء فاغترف الغلام بيده وأفرغت الجارية على يديها فميزهم بهذا، قاله السدي.

الثاني: لما توضؤوا غسل الغلمان ظهور السواعد قبل بطونها، وغسل الجواري بطون السواعد قبل ظهورها، فميزهم بهذا، قاله قتادة.

الثالث: أنهم لما توضؤوا بدأ الغلام من مرفقه إلى كفه وبدأت الجارية من كفها إلى مرفقها، فميزهم بهذا، قاله ابن جبير.