الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ } * { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْس وَٱلطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً } فيه ستة أوجه:

أحدها: فهماً، قاله قتادة.

الثاني: صنعة الكيمياء وهو شاذ.

الثالث: فصل القضاء.

الرابع: علم الدين.

الخامس: منطق الطير.

السادس: بسم الله الرحمن الرحيم.

{ وَقَالاَ الْحَمْدُ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ } وحمدهما لله شكراً على نعمه.

وفيما فضلهما به على كثير من عباده المؤمنين ثلاثة أقاويل:

أحدها: بالنبوة.

الثاني: بالملك.

الثالث: بالنبوة والعلم.

قوله تعالى: { ووَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ } فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها: ورث نبوته وملكه، قاله قتادة، قال الكلبي: وكان لداود تسعة عشر ولداً ذكراً وإنما خص سليمان بوراثتة لأنها وراثة نبوة وملك، ولو كانت وراثة مال لكان جميع أولاده فيه سواء.

الثاني: أن سخر له الشياطين والرياح، قاله الربيع.

الثالث: أن داود استخلفه في حياته على بني إسرائيل وكانت ولايته هي الوراثة وهو قول الضحاك، ومنه قيل: العلماء ورثة الأنبياء، لأنهم في الدين مقام الأنبياء.

قوله تعالى: { فَهُمُ يُوزَعُونَ } فيه ستة أوجه:

أحدها: يساقون، وهو قول ابن زيد.

الثاني: يدفعون،قاله الحسن، قال اليزيدي: تدفع أخراهم وتوقف أولاهم.

الثالث: يسحبون، قاله المبرِّد.

الرابع: يجمعون.

الخامس: يسجنون، قال الشاعر:

لسان الفتى سبع عليه سداته   وإلا يزع من عَرْبه فهو قاتله
وما الجهل إلا منطق متسرع   سواءٌ عليه حق أمرٍ وباطله
السادس: يمنعون، مأخوذ من وزعه عن الظلم، وهو منعه عنه، ومنه قول عثمان رضي الله عنه: ما وزع الله بالسلطان أكبر مما وزع بالقرآن. وقال النابغة:

على حين عاتبتُ المشيبَ على الصبا   وقلت ألما تصدع والشيب وازعُ
والمراد بهذا المنع ما قاله قتادة: أن يُرد أولهم على آخرهم ليجتمعوا ولا يتفرقوا.

قوله تعالى: { حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ } قال قتادة: ذكر لنا أنه وادٍ بأرض الشام. وقال كعب: وهو بالطائف.

{ قَالَتْ نَمَلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُم } قال الشعبي: كان للنملة جناحان فصارت من الطير، فلذلك علم منطقها، ولولا ذلك، ما علمه.

{ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ } أي لا يهلكنكم.

{ وَهُمُ لاَ يَشعُرُونَ } فيه وجهان:

أحدهما: والنمل لا يشعرون بسليمان وجنوده، قاله يحيى بن سلام.

الثاني: وسليمان وجنوده لا يشعرون بهلاك النمل، وسميت النملة نملة لتنملها وهو كثرة حركتها وقلة قرارها، وقيل إن النمل أكثر جنسه حساً لأنه إذا التقط الحبة من الحنطة والشعير للادخار قطعها اثنين لئلا تنبت، وإن كانت كزبرة قطعها أربع قطع { لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ } فحكي أن الريح أطارت كلامها إلى سليمان حتى سمع قولها من ثلاثة أميال فانتهى إليها وهي تأمر النمل بالمغادرة.

{ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه تبسم من حذرها بالمغادرة.

الثاني: أنه تبسم من ثنائها عليه.

السابقالتالي
2