الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } * { يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً } * { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً }

قوله تعالى: { وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ } يعني لا يجعلون لله تعالى شريكاً، ولا يجعلون بينهم وبينه في العبادة وسيطاً.

{ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ } يعني حرم قتلها، وهي نفس المؤمن والمعاهد.

{ إِلاَّ بِالْحَقِّ } والحق المستباح به قتلها، ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِِإِحْدَى ثَلاَثٍ: كُفرٍ بَعْدَ إِيمَانٍ، أَوْ زِنىً بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ قَتْل نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ ".

{ وَلاَ يَزْنُونَ } والزنى إتيان النساء المحرمات في قبل أو دبر، واللواط زنى في أحد القولين وهو في القول الثاني موجب لقتل الفاعل والمفعول به،

وفي إتيان البهائم ثلاثة أقاويل:

أحدها: أنه كالزنى في الفرق بين البكر والثيب.

الثاني: أنه يوجب قتل البهيمة ومن أتاها للخبر المأثور فيه.

الثالث: أنه يوجب التعزير. فجمع في هذه الآية بين ثلاث من الكبائر الشرك وقتل النفس والزنى، روى عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود قال: قلت: يا رسول الله (أو قال غيري): أي ذنب أعظم عند الله؟ قال: " أَن تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدّاً وَهُوَ خَلَقَكَ " قال: ثم أي؟ قال: " أَن تَقْتُلَ وَلَدَكَ خِيفَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ " قال: ثم أيّ.؟ قال: " أَنْ تُزَانِي حَلِيلَةَ جَارِكَ " قال فأنزل الله ذلك.

{ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ } يعني هذه الثلاثة أو بعضها.

{ يَلْقَ أَثَاماً } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أن الأثام العقوبة قاله بلعام بن قيس:

جزى اللَّه ابن عروة حيث أمسى   عقوقاً والعقوق له أثام
الثاني: أن الأثام اسم واد في جهنم، قاله ابن عمر، وقتادة، ومنه قول الشاعر:

لقيت المهالك في حربنا   وبعد المهالك تلقى أثاما
الثالث: الجزاء، قاله السدي، وقال الشاعر:

وإن مقامنا ندعو عليكم   بأبطح ذي المجاز له أثامُ
{ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أن المضاعفة عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، قاله قتادة.

الثاني: أنها الجمع بين عقوبات الكبائر المجتمعة.

الثالث: أنها استدامة العذاب بالخلود.

{ وَيَخْلُدْ فِيهِ } أي يخلد في العذاب بالشرك.

{ مُهَاناً } بالعقوبة.

{ إِلاَّ مَن تَابَ } يعني من الزنى.

{ وَءَامَنَ } يعني من الشرك

. { وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً } يعني بعد السيئات.

{ فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها: في الدنيا يبدلهم بالشرك إيماناً، وبالزنى إحصاناً وبذكر الله بعد نسيانه، وبطاعته بعد عصيانه، وهذا معنى قول الحسن، وقتادة.

الثاني: أنه في الآخرة فيمن غلبت حسناته على سيئاته فيبدل الله السيئات حسنات، قاله أبو هريرة.

الثالث: أنه يبدل الله عقاب سيئاته إذا تاب منها بثواب حسناته إذا انتقل إليها، قاله ابن بحر.

{ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً } لما تقدم قبل التوبة.

{ رَحِيماً } لما بعدها.

السابقالتالي
2