الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } * { لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً }

قوله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ } قال أبي بن كعب كل شيء في القرآن من الرياح فهو رحمة، وكل شيء في القرآن من الريح فهو عذاب.

وقيل: لأن الرياح جمع وهي الجنوب والشمال والصبا لأنها لواقح، والعذاب ريح واحدة وهي الدبور لأنها لا تلقح.

{ بُشْراً } قرئت بالنون وبالباء فمن قرأ بالنون ففيه وجهان:

أحدهما: أنه نشر السحاب حتى يمطر.

الثاني: حياة لخلقه كحياتهم بالنشور.

ومن قرأ { بُشْراً } بالباء ففيه وجهان:

أحدهما لأنها بشرى بالمطر.

الثاني: لأن الناس يستبشرون بها.

{ بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } يعني المطر لأنه رحمة من الله لخلقه، وتأوله بعض أصحاب الخواطر يرسل رياح الندم بين يدي التوبة.

{ وَأَنزَلْنَا السَّمِآءِ مَآءً طَهُوراً } فيه تأويلان:

أحدهما: طاهراً، قاله أبو حنيفة ولذلك جوز إزالة النجاسات بالمائعات الطاهرات.

الثاني: مطهراً، قاله الشافعي ولذلك لم يجوز إزالة النجاسة بمائع سوى الماء.

{ لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً } وهي التي لا عمارة فيها ولا زرع، وإحياؤها يكون بنبات زرعها وشجرها، فكما أن الماء يطهر الأبدان من الأحداث والأنجاس، كذلك الماء يطهر الأرض من القحط والجدب.

{ وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنآ أَنْعَاماً وَأنَاسِيَّ كَثِيراً } فجمع بالماء حياة النبات والحيوان وفي الأناسي وجهان:

أحدهما: أنه جمع إنسي.

الثاني: جمع إنسان.

قوله تعالى: { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ } فيه وجهان:

أحدهما: أنه الفرقان المذكور في أول السورة.

الثاني: أراد الماء الذي أنزله طهوراً.

وفيه وجهان:

أحدهما: يعني قسمنا المطر فلا يدوم على مكان، فيهلك ولا ينقطع عن مكان، فيهلك، وهو معنى قول قتادة.

الثاني: أنه يصرفه في كل عام من مكان إلى مكان، قال ابن عباس ليس عام بأمطر من عام،ولكن الله يصرفه بين عباده.

{ لِيَذَّكَّرُوا } يحتمل وجهين:

أحدهما: ليتذكروا النعمة بنزوله.

الثاني: ليتذكروا النعمة بانقطاعه.

{ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسَ إِلاَّ كُفُوراً } قال عكرمة: هو قولهم مطرنا بالأنواء. روى الربيع بن صبيح قال: أمطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فلما أصبح قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أَصْبَحَ النَّاسُ فِيهَا بَيْنَ رَجْلَينِ شَاكِرٍ وَكَافِرٍ، فَأَمَّا الشَّاكِرُ فَيحْمِدُ اللَّهَ عَلَى سُقْياهُ وَغِيَاثِهِ وَأَمَّا الكَافِرُ فَيقُولُ مطرنَا بِنَوءِ كَذَا وَكَذَا ".