الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } * { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ } * { لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

قوله: { فِي بُيُوتٍ } في هذه البيوت قولان:

أحدهما: أنها المساجد، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد.

الثاني: أنها سائر البيوت، قاله عكرمة.

{ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ } أربعة أوجه:

أحدها: أن تُبْنَى، قاله مجاهد كقوله: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ } أي يبني.

الثاني: أنها تطهر من الأنجاس والمعاصي، حكاه ابن عيسى.

الثالث: أن تعظم، قاله الحسن.

الرابع: أن ترفع فيها الحوائج إلى الله.

{ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } فيها ثلاثة أقاويل:

أحدها: يتلى فيها كتابه، قاله ابن عباس.

الثاني: تذكر فيها أسماؤه الحسنى، قاله ابن جرير.

الثالث: توحيده بأن لا إله غيره، قاله الكلبي.

وفيما يعود إليه ذكر البيوت التي أذن الله أن ترفع قولان:

أحدهما: إلى ما تقدم من قوله: كمشكاة فيها مصباح في بيوت أذن الله.

الثاني: إلى ما بعده من قوله: { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا } وفي هذا التسبيح قولان:

أحدهما: أنه تنزيه الله.

الثاني: أنه الصلاة، قاله ابن عباس والضحاك.

{ بالْغَدُوِّ وَالآصَالِ } الغدو جمع غَدوة والآصال جمع أصيل وهي العشاء.

{ رِجالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ } قال الكلبي: التجار هم الجلاب المسافرون، والباعة هم المقيمون.

{ عَن ذِكْرِ اللَّهِ } فيه وجهان:

أحدهما: عن ذكره بأسمائه الحسنى.

الثاني: عن الأذان، قاله يحيى بن سلام. { تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبِ وَالأبْصَارُ } فيه خمسة أوجه:

أحدها: يعني تقلبها على حجر جهنم.

الثاني: تقلب أحوالها بأن تلفحها النار ثم تنضجها وتحرقها.

الثالث: أن تقلب القلوب وجيبها، وتقلب الأبصار النظر بها إلى نواحي الأهوال.

الرابع: أن تقلب القلوب بلوغها الحناجر، وتقلب الأبصار الزّرَق بعد الكحل، والعمى بعد البصر.

الخامس: أن الكافر بعد البعث ينقلب قلبه على الكفر إلى الإيمان وينقلب بصره عما كان يراه غياً فيراه رشداً.

{ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ } فذكر الجزاء على الحسنات ولم يذكر الجزاء على السيئات وإن كان يجازى عليها لأمرين:

أحدهما: أنه ترغيب فاقتصر على ذكر الرغبة.

الثاني: أنه يكون في صفة قوم لا تكون منهم الكبائر فكانت صغائرهم مغفورة.

{ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ } يحتمل وجهين:

أحدهما: ما يضاعفه من الحسنة بعشر أمثالها.

الثاني: ما يتفضل به من غير جزاء.

{ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } فيه أربعة أوجه:

أحدها: بغير جزاء بل يسديه تفضلاً.

الثاني: غير مقدر بالكفاية حتى يزيد عليها.

الثالث: غير قليل ولا مضيق.

الرابع: غير ممنون به.

وقيل لما نزلت هذه الآية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء مسجد قباء فحضر عبد الله بن رواحة فقال: يا رسول الله قد أفلح من بنى المساجدا؟ قال: " نَعَمْ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ " قال، وصلى فيها قائماً وقاعداً قال: " نَعَمْ يَا ابْنَ رَوَاحَةِ " قال: ولم يبت لله إلا ساجداً؟ قال: " نَعَمْ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ. كُفّ عَنِ السَّجْعِ فَمَا أُعْطِيَ عَبْدٌ شَيئاً شَرّاً مِن طَلاَقَةِ لِسَانِهِ ".