الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } * { لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } * { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } * { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ }

قوله عز وجل: { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمرَةٍ مِّنْ هذا } فيه وجهان:

أحدهما: في غطاء، قاله ابن قتيبة.

والثاني: في غفلة قاله قتادة.

{ مِنْ هذا } فيه وجهان:

أحدهما: من هذا القرآن، وهو قول مجاهد.

الثاني: من هذا الحق، وهو قول قتادة.

{ وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } فيه وجهان:

أحدهما: خطايا [يعملونها] من دون الحق، وهو قول قتادة.

الثاني: أعمال [رديئة] لم يعملوها وسيعملونها، حكاه يحيى ابن سلام.

ويحتمل وجهاً ثالثاً: أنه ظلم المخلوقين مع الكفر بالخالق. قوله عز وجل: { حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْغَذَابِ } فيهم وجهان:

أحدهما: أنهم الموسع عليهم بالخصب، قاله ابن قتيبة. والثاني: بالمال والولد، قاله الكلبي، فعلى الأول يكون عامّاً وعلى الثاني يكون خاصاً.

{ إذَا هُم يَجْأَرُونَ } فيه أربعة تأويلات:

أحدها: يجزعون، وهو قول قتادة.

الثاني: يستغيثون، وهوقول ابن عباس.

والثالث: يصيحون، وهو قول علي بن عيسى.

والرابع: يصرخون إلى الله تعالى بالتوبة، فلا تقبل منهم، وهو قول الحسن. قال قتادة نزلت هذه الآية في قتلى بدر، وقال ابن جريج { حَتَّى إِذَا أَخذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ } هم الذين قتلواْ ببدر.

قوله عز وجل: { وَكُنتُم عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: تستأخرون، وهو قول مجاهد.

والثاني: تكذبون.

والثالث: رجوع القهقرى. ومنه قول الشاعر:

زعموا أنهم على سبل الحق   وأنا نكص على الأعقاب
وهو أي النكوص، موسع هنا ومعناه ترك القبول.

{ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ } أي بحرمة الله، ألا يظهر عليهم فيه أحد، وهو قول ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة.

ويحتمل وجهاً آخر: مستكبرين بمحمد أن يطيعوه، وبالقرآن أن يقبلوه.

{ سَامِراً تَهْجُرونَ } سامر فاعل من السمر. وفي السمر قولان:

أحدهما: أنه الحديث ليلاً، قاله الكلبي، وقيل به: سمراً تهجرون.

والثاني: أنه ظل القمر، حكاه ابن عيسى، والعرب تقول حلف بالسمر والقمر أي بالظلمة والضياء، لأنهم يسمرون في ظلمة الليل وضوء القمر، والعرب تقول أيضاً: لا أكلمه السمر والقمر، أي الليل والنهار، وقال الزجاج ومن السمر أخذت سمرة اللون. وفي { تَهْجُرُونَ } وجهان:

أحدهما: تهجرون الحق بالإِعراض عنه، قاله ابن عباس.

والثاني: تهجرون في القول بالقبيح من الكلام، قاله ابن جبير، ومجاهد.

وقرأ نافع { تُهْجِرُونَ } بضم التاء وكسر الجيم وهو من هجر القول. وفي مخرج هذا الكلام قولان:

أحدهما: إنكار تسامرهم بالإِزراء على الحق مع ظهوره لهم.

الثاني: إنكاراً منهم حتى تسامروا في ليلهم والخوف أحق بهم.