الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ }

قوله تعالى: { وَجَاهِدُواْ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِِهِ } قال السدي: اعملوا لله حق عمله، وقال الضحاك أن يطاع فلا يعصى ويُذْكر فلا يُنْسَى ويُشْكر فلا يُكْفَر. وهو مثل قوله تعالى:اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [آل عمران: 102].

واختلف في نسخها على قولين:

أحدهما: أنها منسوخة بقوله تعالى:فَاتَقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [التغابن: 16].

والثاني: أنها ثابتة الحكم لأن حق جهاده ما ارتفع معه الحرج، روى سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خَيْرُ دِيْنِكُمْ أَيْسَرَهُ ".

{ هُوَ اجْتَبَاكُمْ } أي اختاركم لدينه.

{ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } يعني من ضيق، وفيه خمسة أوجه:

أحدها: أنه الخلاص من المعاصي بالتوبة.

الثاني: المخرج من الأيمان بالكفارة.

الثالث: أنه تقديم الأهلة وتأخيرها في الصوم والفطر والأضحى، قاله ابن عباس.

الرابع: أنه رخص السفر من القصر والفطر.

الخامس: أنه عام لأنه ليس في دين الإٍسلام ما لا سبيل إلى الخلاص من المأثم فيه.

{ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمُ } فيه أربعة أوجه:

أحدها: أنه وسع عليكم في الدين كما وسع ملة أبيكم إبراهيم.

الثاني: وافعلوا الخير كفعل أبيكم إبراهيم.

الثالث: أن ملة إبراهيم وهي دينه لازمة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وداخلة في دينه. الرابع: أن علينا ولاية إبراهيم وليس يلزمنا أحكام دينه.

{ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هذَا } فيه وجهان:

أحدهما: أن الله سماكم المسلمين من قبل هذا القرآن وفي هذا القرآن، قاله ابن عباس ومجاهد.

الثاني: أن إبراهيم سماكم المسلمين، قاله ابن زيد احتجاجاً بقوله تعالى:ومن ذريتنا أمة مسلمة لك } [البقرة: 128].

{ لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ } فيه وجهان:

أحدهما: ليكون الرسول شهيداً عليكم في إبلاغ رسالة ربه إليكم، وتكونوا شهداء على الناس تُبَلِغُونَهُم رسالة ربهم كما بلغتم إليهم ما بلغه الرسول إليكم.

الثاني: ليكون الرسول شهيداً عليكم بأعمالكم وتكونوا شهداء على الناس بأن رُسُلَهُم قد بَلَّغُوهم.

{ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ } يعني المفروضة.

{ وَءَآتُواْ الزَّكَاةِ } يعنى الواجبة.

{ وَاعْتَصَمُواْ بِاللَّهِ } فيه وجهان:

أحدهما: امتنعوا بالله، وهو قول ابن شجرة.

والثاني: معناه تمسّكوا بدين الله، وهو قول الحسن.

{ هُوَ مَوْلاَكُمْ } فيه وجهان:

أحدهما: مَالِكُكُم.

الثاني: وليكم المتولي لأموركم.

{ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصَيرُ } أي فنعم المولى حين لم يمنعكم الرزق لما عصيتموه، ونعم النصير حين أعانكم لما أطعتموه.