قوله عز وجل: { وَإِذْ بَوَّأنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ } فيه وجهان: أحدهما: معناه وطأنا له مكان البيت، حكاه ابن عيسى. والثاني: معناه عرفناه مكان البيت بعلامة يستدل بها. وفي العلامة قولان: أحدهما: قاله قطرب، بعثت سحابة فتطوقت حيال الكعبة فبنى على ظلها. الثاني: قاله السدي، كانت العلامة ريحاً هبت وكنست حول البيت يقال لها الخجوج. { أَن لاَّ تُشْرِكَ بِي شَيْئاً } أي لا تعبد معي إلهاً غيري. { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ } فيه ثلاثة أوجه: أحدها: من الشرك وعبادة الأوثان، وهذا قول قتادة. الثاني: من الأنجاس والفرث والدم الذي كان طرح حول البيت، ذكره ابن عيسى. والثالث: من قول الزور، وهو قول يحيى بن سلام. { لِلطَّآئِفِينَ وَالْقَآئِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } أما الطائفون فيعني بالبيت وفي { الْقَائِمِينَ } قولان: أحدهما: يعني القائمين في الصلاة، وهو قول عطاء. والثاني: المقيمين بمكة، وهو قول قتادة. { وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } يعني في الصلاة، وفي هذا دليل على ثواب الصلاة في البيت. وحكى الضحاك أن إبراهيم لما حضر أساس البيت وحد لَوْحاً، عليه مكتوب: أنا الله ذو بكّة، خلقت الخير والشر، فطوبى لمن قَدَّرْتُ على يديه الخير، وويلٌ لمن قدرت على يديه الشر. وتأول بعض أصحاب الخواطر قوله: { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ } يعني القلوب. { لِلطَّآئِفِينَ } يعني حجاج الله، { وَالْقَآئِمِينَ } يعني الإِيمان، { وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } يعني الخوف والرجاء. قوله عز وجل: { وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ } يعني أَعْلِمْهُم ونَادِ فيهم بالحق، وفيه قولان: أحدهما: أن هذا القول حكاية عن أمر الله سبحانه لنبيه إبراهيم، فروي أن إبراهيم صعد جبل أبي قبيس فقال: عباد الله إن الله سبحانه وتعالى قد ابتنى بيتاً وأمَرَكُمْ بحجه فَحُجُّوا، فأجابه من في أصلاب الرجال وأرحام النساء: لبيك داعي ربنا لبيك. ولا يحجه إلى يوم القيامة إلا من أجاب دعوة إبراهيم، وقيل إن أول من أجابه أهل اليمن، فهم أكثر الناس حجاً له. والثاني: أن هذا أمر من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس بحج البيت. { يَأْتُوكَ رِجَالاً } يعني مشاة على أقدامهم، والرجال جمع راجل. { وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ } أي جملٍ ضامر، وهو المهزول، وإنما قال { ضَامِرٍ } لأنه ليس يصل إليه إلا وقد صار ضامراً. { يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } أي بعيد، ومنه قول الشاعر: