الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } * { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ }

قوله عز وجل: { وَإِذْ بَوَّأنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ } فيه وجهان:

أحدهما: معناه وطأنا له مكان البيت، حكاه ابن عيسى.

والثاني: معناه عرفناه مكان البيت بعلامة يستدل بها.

وفي العلامة قولان:

أحدهما: قاله قطرب، بعثت سحابة فتطوقت حيال الكعبة فبنى على ظلها.

الثاني: قاله السدي، كانت العلامة ريحاً هبت وكنست حول البيت يقال لها الخجوج.

{ أَن لاَّ تُشْرِكَ بِي شَيْئاً } أي لا تعبد معي إلهاً غيري.

{ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: من الشرك وعبادة الأوثان، وهذا قول قتادة.

الثاني: من الأنجاس والفرث والدم الذي كان طرح حول البيت، ذكره ابن عيسى.

والثالث: من قول الزور، وهو قول يحيى بن سلام.

{ لِلطَّآئِفِينَ وَالْقَآئِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } أما الطائفون فيعني بالبيت وفي { الْقَائِمِينَ } قولان:

أحدهما: يعني القائمين في الصلاة، وهو قول عطاء.

والثاني: المقيمين بمكة، وهو قول قتادة.

{ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } يعني في الصلاة، وفي هذا دليل على ثواب الصلاة في البيت. وحكى الضحاك أن إبراهيم لما حضر أساس البيت وحد لَوْحاً، عليه مكتوب: أنا الله ذو بكّة، خلقت الخير والشر، فطوبى لمن قَدَّرْتُ على يديه الخير، وويلٌ لمن قدرت على يديه الشر.

وتأول بعض أصحاب الخواطر قوله: { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ } يعني القلوب.

{ لِلطَّآئِفِينَ } يعني حجاج الله، { وَالْقَآئِمِينَ } يعني الإِيمان، { وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } يعني الخوف والرجاء.

قوله عز وجل: { وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ } يعني أَعْلِمْهُم ونَادِ فيهم بالحق، وفيه قولان:

أحدهما: أن هذا القول حكاية عن أمر الله سبحانه لنبيه إبراهيم، فروي أن إبراهيم صعد جبل أبي قبيس فقال: عباد الله إن الله سبحانه وتعالى قد ابتنى بيتاً وأمَرَكُمْ بحجه فَحُجُّوا، فأجابه من في أصلاب الرجال وأرحام النساء: لبيك داعي ربنا لبيك. ولا يحجه إلى يوم القيامة إلا من أجاب دعوة إبراهيم، وقيل إن أول من أجابه أهل اليمن، فهم أكثر الناس حجاً له.

والثاني: أن هذا أمر من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس بحج البيت.

{ يَأْتُوكَ رِجَالاً } يعني مشاة على أقدامهم، والرجال جمع راجل.

{ وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ } أي جملٍ ضامر، وهو المهزول، وإنما قال { ضَامِرٍ } لأنه ليس يصل إليه إلا وقد صار ضامراً.

{ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } أي بعيد، ومنه قول الشاعر:

تلعب لديهن بالحريق   مدى نياط بارح عميق