الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } * { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ } * { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } * { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } * { وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ }

قوله عز وجل: { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكَمَانِ فِي الْحَرْثِ } فيه قولان:

أحدها: أنه كان زرعاً وقعت فيه الغنم ليلاً، قاله قتادة.

الثاني: كان كرماً نبتت عناقيده، قاله ابن مسعود، وشريح.

{ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ } قال قتادة: النفش رعي الليل، والهمل: رعي النهار، قال الشاعر:

متعلقة بأفناء البيوت   ناقشاً في عشا التراب
{ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } وفي حكمهما قولان:

أحدهما: أنه كان متفقاً لم يختلفا فيه، لأن الله حين أثنى عليهم دل على اتقافهما في الصواب ويحتمل قوله تبارك وتعالى: { فَفَهَّمْنَاهَا } على أنه فضيلة له على داود لأنه أوتي الحكم في صغره، وأوتي داود الحكم في كبره، وإن اتفقا عليه ولم يختلفا فيه لأن الأنبياء معصومون من الغلط والخطأ لئلا يقع الشك في أمورهم وأحكامهم، وهذا قول شاذ من المتكلمين.

والقول الثاني: وهو قول الجمهور من العلماء والمفسرين أن حكمهما كان مختلفاً أصاب فيه سليمان، واخطأ داود، فأما حكم سليمان فإنه قضى لصاحب الحرث، وأما حكم سليمان فإنه رأى أن يدفع الغنم إلى صاحب الحرث لينتفع بدرّها ونسلها، ويدفع الحرث إلى صاحب الغنم ليأخذ بعمارته، فإذا عاد في السنة ابن مسعود، ومجاهد. فرجع داود إلى قضاء سليمان فحكم به، فقال الله تعالى: { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } فجعل الحق معه وفي حكمه، ولا يمتنع وجود الغلط والخطأ من الأنبياء كوجوده من غيرهم. لكن لا يقرون عليه وإن أقر عليه غيرهم، ليعود الله بالحقائق لهم دون خلقه، ولذلك تسمى بالحق وتميز به عن الخلق. واختلف القائلون بهذا في حمله على العموم في جميع الأنبياء على قولين:

أحدهما: أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم مخصوص منهم بجواز الخطأ عليهم دونه قاله أبو علي بن أبي هريرة رضي الله عنه، وفرق بينه وبين غيره من جميع الأنبياء، لأنه خاتم الأنبياء فلم يكن بعده من يستدرك غلطه، ولذلك عصمه الله منه، وقد بعث بعد غيره من الأنبياء مَنْ يستدرك غلطه.

والقول الثاني: أنه على العموم في جميع الأنبياء، وأن نبينا وغيره من الأنبياء في تجويز الخطأ على سواء، إلا أنهم لا يقرون على إمضائه، فلم يعتبر فيه استدراك مَنْ بعدهم من الأنبياء، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سألته امرأة عن العدة، فقال لها: " اعْتَدِّي حَيْثُ شِئْتِ " ثم قال: " يَا سُبْحَانَ اللَّهِ، امْكُثِي فِي بَيتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ " وقال رجل: أرأيتَ إن قُتِلـتُ صابراً محتسباً أيحجزني عن الجنة شيء؟ فقال: (لاَ)، ثم دعاه فقال: " إِلاَّ الدَّينُ كَمَا أَخْبَرَنِي بِهِ جِبْرِيلُ ". ولا يوجد منه إلاّ ما جاز عليه.

ثم قال تعال: { وَكُلاًّ ءَاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } قال الحسن: لولا هذه الآية لرأيت أن القضاة قد هلكوا، ولكنه أثنى على سليمان على صوابه وعذر داود باجتهاده.

السابقالتالي
2 3