الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } * { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } * { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } * { قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ } * { مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ }

قوله عز وجل: { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } أي اقترب منهم، وفيه قولان:

أحدهما: قرب وقت عذابهم، يعني أهل مكة، لأنهم استبطؤواْ ما وُعِدواْ به من العذاب تكذيباً، فكان قتلهم يوم بدر، قاله الضحاك.

الثاني: قرب وقت حسابهم وهو قيام الساعة.

وفي قربه وجهان:

أحدهما: لا بُد آت، وكل آت قريب.

الثاني: لأن الزمان لكثرة ما مضى وقلة ما بقي قريب.

{ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } يحتمل وجهين:

أحدهما: في غفلة بالدنيا معرضون عن الآخرة.

الثاني: في غفلة بالضلال، معرضون عن الهدى.

قوله تعالى: { مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ } التنزيل مبتدأ التلاوة لنزوله سورة بعد سورة. وآية بعد آية، كما كان ينزله الله عليه في وقت بعد وقت.

{ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ } أي استمعوا تنزيله فتركوا قبوله.

{ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } فيه وجهان:

أحدهما: أي يلهون.

الثاني: يشتغلون. فإن حمل تأويله على اللهو احتمل ما يلهون به وجهين: أحدهما: بلذاتهم.

الثاني: بسماع ما يتلى عليهم.

وإن حمل تأويله على الشغل احتمل ما يشتغلون به وجهين: أحدهما: بالدنيا،لأنها لعب كما قال تعالى:إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } [الحديد: 20].

الثاني: يتشاغلون بالقَدْحِ فيه والاعتراض عليه.

قال الحسن: كلما جدد لهم الذكر استمروا على الجهل.

قوله عز وجل: { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ } فيه وجهان:

أحدهما: يعني غافله باللهو عن الذكر، قاله قتادة.

الثاني: مشغلة بالباطل عن الحق، قاله ابن شجرة، ومنه قول امرىء القيس:

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع   فألهيتها عن ذي تمائم محوِلِ
أي شغلتها عن ولدها.

ولبعض أصحاب الخواطر وجه ثالث: أنها غافلة عما يراد بها ومنها.

{ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ } فيه وجهان:

أحدهما: ذكره ابن كامل أنهم أخفوا كلامهم الذي يتناجون به، قاله الكلبي.

الثاني: يعني أنهم أظهروه وأعلنوه، وأسروا من الأضداد المستعملة وإن كان الأظهر في حقيقتها أن تستعمل في الإِخفاء دون الإِظهار إلا بدليل.

{ هَلْ هَذَآ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } إنكاراً منهم لتميزه عنهم بالنبوة.

{ أَفَتأتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } ويحتمل وجهين:

أحدهما: أفتقبلون السحر وأنتم تعلمون أنه سحر.

الثاني: أفتعدلون إلى الباطل وأنتم تعرفون الحق.

قوله تعالى: { بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أهاويل أحلام رآها في المنام، قاله مجاهد.

الثاني: تخاليط أحلام رآها في المنام، قاله قتادة، ومنه قول الشاعر:

كضعث حلمٍ غُرَّ منه حالمه.   
الثالث: أنه ما لم يكن له تأويل، قاله اليزيدي.

وفي الأحلام تأويلان:

أحدهما: ما لم يكن له تأويل ولا تفسير، قاله الأخفش.

الثاني: إنها الرؤيا الكاذبة، قاله ابن قتيبة، ومنه قول الشاعر:

أحاديث طسم أو سراب بفدفَدٍ   ترقوق للساري وأضغاث حالم