الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ } * { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } * { قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } * { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } * { كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } * { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً } * { خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً }

قوله عز وجل: { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ } الخطب ما يحدث من الأمور الجليلة التي يخاطب عليها، قال الشاعر:

آذنت جارتي بوشك رحيل   بكرا جاهرت بخطب جليل
وفي السامري قولان:

أحدهما أنه كان رجلاً من أهل كرمان، تبع موسى من بني إسرائيل، قاله الطبري، وكان اسمه موسى بن ظفر.

أحدهما: أنه كان رجلاً من أهل كرمان، تبع موسى من بني إسرئيل، قاله الطبري، وكان اسمه موسى بن ظفر. وفي تسميته بالسامري قولان:

أحدهما: أنه كان من قبيلة يقال لها سامرة، قاله قتادة.

الثاني: لأنه كان من قرية تسمى سامرة.

{ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } فيه وجهان:

أحدهما: نظرت ما لم ينظروه، قاله أبو عبيدة.

الثاني: بما لم يفطنواْ له، قاله مقاتل.

وفي بصرت وأبصرت وجهان:

أحدهما: أنَّ معناهما واحد.

الثاني: أن معناها مختلف، بأبصرت بمعنى نظرت، وبَصُرت بمعنى فطنت.

{ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً } قرأه الجماعة بالضاد المعجمة، وقرأ الحسن بصاد غير معجمة، والفرق بينهما أن القبضة بالضاد المعجمة، بجميع الكف، وبصاد غير معجمة: بأطراف الأصابع { مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ } فيه قولان:

أحدهما: أن الرسول جبريل.

وفي معرفته قولان:

أحدهما: لأنه رآه يوم فلق البحر فعرفه.

الثاني: أن حين ولدته أمه [جعلته في غار] - حذراً عليه من فرعون حين كان يقتل بني إسرائيل وكان جبريل يغذوه صغيراً لأجل البلوى، فعرفه حين كبر، فأخذ قبضة تراب من حافر فرسه وشدها في ثوبه { فَنَبَذْتُهَا } يعني فألقيتها، وفيه وجهان:

أحدهما: أنه ألقاها فيما سبكه من الحلي بصياغة العجل حتى خار بعد صياغته.

الثاني: أنه ألقاها في جوف العجل بعد صياغته حتى ظهر خواره، فهذا تفسيره على قول من جعل الرسول جبريل.

والقول الثاني: أن الرسول موسى، وأن أثره شريعته التي شرعها وسنته التي سنها، وأن قوله: { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَأ } أي طرحت شريعة موسى ونبذت سنته، ثم اتخذت العجل جسداً له خوار.

{ وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } فيه وجهان:

أحدهما: حدثتني نفسي. قاله ابن زيد.

الثاني: زينت لي نفسي، قاله الأخفش.

قوله عز وجل: { قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ } فيه قولان:

أحدهما: أن قوله: { فَاذْهَبْ } وعيد من موسى، ولذا [فإن] السامري خاف فهرب فجعل يهيم في البرية مع الوحوش والسباع، لا يجد أحداً من الناس يمسه، حتى صار كالقائل لا مساس، لبعده عن الناس وبعد الناس منه. قالت الشاعرة:

حمال رايات بها قنعاسا   حتى يقول الأزد لا مساسا
القول الثاني: أن هذا القول من موسى [كان] تحريماً للسامري، وأن موسى أمر بني إسرائيل ألا يؤاكلوه ولا يخالطوه، فكان لا يَمَسُّ وَلاَ يُمَسُّ، قال الشاعر:

تميم كرهط السامري وقوله   ألا لا يريد السامري مساسا
أي لا يُخَالِطُونَ وَلاَ يُخَالَطُون.

{ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ } يحتمل وجهين:

أحدهما: في الإِمهال لن يقدم.

الثاني: في العذاب لن يؤخر.

قوله عز وجل: { وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } فيه وجهان:

أحدهما: أحاط بكل شيء حتى لم يخرج شيء من علمه.

الثاني: وسع كل شيء علماً حتى لم يخل شيء عن علمه به.