الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ } * { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ } * { فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } * { قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } * { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ }

قوله تعالى: { لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ كَذِباً } فيه وجهان:

أحدهما: لا تفترواْ على الله كذباً بسحركم.

الثاني: بتكذيبي وقولكم م جئت به سحر.

{ فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ } فيهلككم ويستأصلكم، قال الفرزدق:

وعض زمان يا ابن مروان لم يدع   من المال إلا مسحتاً أو مُجَلَّف
فالمسحت: المستأصل،

والمجلف: المهلك.

{ فَتَنَازَعُوآ أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ } فيه وجهان:

أحدهما: فيما هيؤوه من الحبال والعصي، قاله الضحاك.

والثاني: فيمن يبتدىء بالإِلقاء.

{ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى } فيه أربعة أقاويل:

أحدها: أن النجوى التي أسروها أن قالوا: إن كان هذا سحراً فسنغلبه، وإن كان السماء فله أمره، قاله قتادة.

الثاني: أنه لما قال لهم { وَيْلَكُمْ } الآية. قالوا: ما هذا بقول ساحر، قاله ابن منبه.

الثالث: أنه أسروا النجوى دون موسى وهارون بقولهم، { إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ... } الآيات، قاله مقاتل والسدي.

الرابع: أنهم أسرواْ النجوى. إن غَلَبَنَا موسى اتبعناه، قاله الكلبي.

قوله تعالى: { قَالُواْ إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ } هذه قراءة أبي عمرو وهي موافقة للإِعراب مخالفة للمصحف. وقرأ الأكثرون: إن هذان الساحران، فوافقوا المصحف فيها، ثم اختلفوا في تشديد إنّ فخففها ابن كثير وحفص فسلما بتخفيف إن من مخالفة المصحف ومن فساد الإِعراب، ويكون معناها: ما هذان إلا ساحران. وقرأ أُبَيّ: إن ذان إلا ساحران، وقرأ باقي القراء بالتشديد: إنَّ هذان لساحران. فوافقوا المصحف وخالفوا ظاهر الإِعراب. واختلف من قرأ بذلك في إعرابه على أربعة أقاويل:

أحدها: أن هذا على لغة بلحارث بن كعب وكنانة بن زيد يجعلون رفع الإِثنين ونصبه وخفضه بالألف، وينشدون:

فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى   مساغاً لِناباهُ الشجاع لصمّما
والوجه الثاني: لا يجوز أن يحمل القرآن على ما اعتل من اللغات ويعدل به عن أفصحها وأصحها، ولكن في " إن " هاء مضمرة تقديرها إنّه هذان لساحران، وهو قول متقدمي النحويين.

الثالث: أنه بَنَى " هذان " على بناء لا يتغير في الإِعراب كما بَنَى الذين على هذه الصيغة في النصب والرفع.

الرابع: أن " إن " المشددة في هذا الموضع بمعنى نعم، كما قال رجل لابن الزبير: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إنّ وصاحبها. وقال عبد الله بن قيس الرقيات:

بكى العواذل في الصبا   ح يلمنني وألومُهُنّة
ويقلن شيب قد علا   ك وقد كبرت فقلت إنْه
أي نعم

{ وَيَذْهَبَا بِطَرِيقتِكُمْ الْمُثْلَى } في قائل هذه ثلاثة أقاويل:

أحدها: أنه قول السحرة.

الثاني: أنه قول قوم فرعون.

الثالث: قول فرعون من بين قومه، وإن أشير به إلى جماعتهم.

وفي تأويله خمسة أوجه:

أحدها: ويذهبا بأهل العقل والشرف. قاله مجاهد.

الثاني: ببني إسرائيل، وكانوا أولي عدد ويسار، قاله قتادة.

الثالث: ويذهبا بالطريقة التي أنتم عليها في السيرة قاله ابن زيد.

الرابع: ويذهبا بدينكم وعبادتكم لفرعون، قاله الضحاك.

الخامس: ويذهبا بأهل طريقتكم المثلى، [والمثلى مؤنث] الأمثل والمراد بالأمثل الأفضل، قال أبو طالب:

وإنا لعمرو الله إن جدّ ما أرى   لتلتبسن أسيافنا بالأماثل
قوله تعالى: { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ } فيه وجهان:

أحدهما: جماعتكم على أمرهم في كيد موسى وهارون.

الثاني: معناه أحكموا أمركم، قال الراجز:

يا ليت شعري والمنى لا تنفع   هل أغدوا يوماً وأمري مجمع
أي محكم.

{ ثُمَّ ائْتُواْ صَفّاً } أي اصطفواْ ولا تختلطواْ.

{... مَنِ اسْتَعْلَى } أي غلب.