الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ يٰمُوسَىٰ } * { إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } * { وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ } * { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } * { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } * { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ }

قوله تعالى: { فلمَّآ أتَاهَا } يعني النار، التي هو نور { نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَاْ رَبُّكَ } وفي هذا النداء قولان:

أحدهما: أنه تفرد بندائه.

الثاني: أن الله أنطق النور بهذا النداء فكان من نوره الذي لا ينفصل عنه، فصار نداء منه أعلمه به ربه لتسكن نفسه ويحمل عنه أمره فقدم تأديبه بقوله: { فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ } الآية. وفي أمرْه بخلعهما قولان:

أحدهما: ليباشر بقدميه بركة الوادي المقدس، قاله علي بن أبي طالب، والحسن، وابن جريج.

والثاني: لأن نعليه كانتا من جلد حمار ميت، قاله كعب، وعكرمة، وقتادة.

{ إِنَكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ } فيه وجهان:

أحدهما: أن المقدس هو المبارك، قاله ابن عباس، ومجاهد.

والثاني: أنه المطهر، قاله قطرب، وقال الشاعر:

وأنت وصول للأقارب مدره   برىء من الآفات من مقدس
وفي { طُوىً } خسمة تأويلات:

أحدها: أنه اسم من طوى لأنه مر بواديها ليلاً فطواه، قاله ابن عباس.

الثاني: سمي طوى لأن الله تعالى ناداه مرتين. وطوى في كلامهم بمعنى مرتين، لأن الثانية إذا أعقبتها الأولى صارت كالمطوية عليها.

الثالث: بل سمي بذلك لأن الوادي قدس مرتين، قاله الحسن.

الرابع: أن معنى طوى: طَإِ الوادي بقدمك، قاله مجاهد.

الخامس: أنه الاسم للوادي قديماً، قاله ابن زيد:

فخلع موسى نعليه ورمى بهما وراء الوادي.

قوله تعالى: { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي } فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها: وأقم الصلاة لتذكرني فيها، قاله مجاهد.

والثاني: وأقم الصلاة بذكري، لأنه لا يُدْخَلُ في الصلاة إلا بذكره.

الثالث: وأقم الصلاة حين تذكرها، قاله إبراهيم. وروى سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ نَسِيَ صَلاَةَ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا " قال تعالى: { وَأَقِمِ الصَلاَةَ لِذَكرِي }.

قوله تعالى: { أكَادُ أُخْفِيهَا } فيه أربعة تأويلات:

أحدها: أي لا أظهر عليها أحداً، قاله الحسن، ويكون أكاد بمعنى أريد.

الثاني: أكاد أخفيها من نفسي، قاله ابن عباس ومجاهد، وهي كذلك في قراة أُبَيّ " أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي " ويكون المقصود من ذلك تبعيد الوصول إلى علمها. وتقديره: إذا كنت أخفيها من نفسي فكيف أظهرها لك؟

الثالث: معناه أن الساعة آتية أكاد. انقطع الكلام عند أكاد وبعده مضمر أكاد آتي بها تقريباً لورودها، ثم استأنف: أخفيها لتجزى كل نفسٍ بما تسعى. قاله الأنباري، ومثله قول ضابىء البرجمي:

هممت ولم أفعل وكدت وليتني   تكرت على عثمان تبكي حلائله
أي كدت أن أقتله، فأضمره لبيان معناه.

الرابع: أن معنى -أخفيها: أظهرها، قاله أبو عبيدة وأنشد:

فإن تدفنوا الداءَ لا نخفيه   وأن تبعثوا الحرب لا نقعد
يقال أخفيت الشيء أي أظهرته وأخفيته إذا كتمته، كما يقال أسررت الشيء إذا كتمته، وأسررته إذا أظهرته.

وفي قوله: { وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ } وجهان:

أحدهما: أسر الرؤساء الندامة عن الأتباع الذي أضلوهم. والثاني: أسر الرؤساء الندامة. قال الشاعر:

ولما رأى الحجاج أظهر سيفه   أسر الحروري الذي كان أضمرا
{ لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى } فيه وجهان:

أحدهما: أنه على وجه القسم من الله، إن كل نفس تجزى بما تسعى.

الثاني: أنه إخبار من الله أن كل نفس تجزى بما تسعى.

قوله عز وجل: { فَتَرْدَى } فيه وجهان: أحدهما: فتشقى.

الثاني: فتنزل.