قوله تعالى: { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ } يعني التوراة. { وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ } والتَّقْفِيَةُ: الإتْباع، ومعناه: وأَتْبَعْنَا، يقال اسْتَقْفَيْتُهُ إِذَا جئت من خلفه، وسميت قافية الشعر قافية لأنها خلفه. { وَءَاتينا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ } وفيها ثلاثة أقاويل: أحدها: أن البينات الحجج. والثاني: أنها الإنجيل. والثالث: وهو قول ابن عباس، أن البينات التي أوتيها عيسى إحياء الموتى، وخلقه من الطين كهيئة الطير، فيكون طيراً بإذن الله، وإبراء الأسْقَام. { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدْسِ } فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: أن روح القدس الاسم الذي يحيي به عيسى الموتى، وهذا قول ابن عباس. والثاني: أنه الإنجيل، سماه روحاً، كما سمى الله القرآن روحاً في قوله تعالى: { وَكَذلِكَ أَوحَينَا إِلَيكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا }. والثالث: وهو الأظهر، أنه جبريل عليه السلام، وهذا قول الحسن وقتادة، والربيع، والسدي، والضحاك. واختلفوا في تسمية جبريل بروح القدس، على ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه سُمِّيَ رُوحاً، لأَنَّه بمنزلة الأرواح للأبدان، يحيي بما يأتي به من البينات من الله عز وجل. والثاني: أنه سمي روحاً، لأن الغالب على جسمه الروحانية، لرقته، وكذلك سائر الملائكة، وإنما يختص به جبريل تشريفاً. والثالث: أنه سمي روحاً، لأنه كان بتكوين الله تعالى له روحاً من عنده من غير ولادة. والقُدُس فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: هو الله تعالى، ولذلك سُمِّي عيسى عليه السلام روح القدس، لأن الله تعالى كوَّنه من غير أب، وهذا قول الحسن والربيع وابن زيد. قال ابن زيد: القدس والقدوس واحد. والثاني: هو الظهر، كأنه دل به على التطهر من الذنوب. والثالث: أن القدس البركة، وهو قول السدي.