الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } * { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }

قوله تعالى: { وَمِنْهُم أُمِّيُّونَ } فيه قولان:

أحدهما: أن الأُمّي: الذي لا يكتب ولا يقرأ، وهو قول مجاهد وأظهرُ تأويله.

والثاني: أنَّ الأُمّيين: قوم لم يصدقوا رسولاً أرسله الله، ولا كتاباً أنزله الله، وكتبوا كتاباً بأيديهم، وقال الجهال لقومهم: هذا من عند الله، وهذا قول ابن عباس.

وفي تسمية الذي لا يكتب بالأمي قولان:

أحدها: أنه مأخوذ من الأمة، أي على أصل ما عليه الأمّة، لأنه باق على خلقته من أنه لا يكتب، ومنه قول الأعشى:

وإنّ معاويةَ الأكرمين   حسانُ الوجوه طوال الأمَمْ
والثاني: أنه مأخوذ من الأُم، وفي أخذه من الأُم تأويلان:

أحدهما: أنه مأخوذ منها، لأنه على ما ولدته أُمُّهُ من أنه لا يكتب.

والثاني: أنه نُسِبَ إلى أُمّهِ، لأن الكتاب في الرجال دون النساء، فنسب من لا يكتب من الرجال إلى أمه، لجهلها بالكتاب دونه أبيه.

وفي قوله تعالى: { لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ } أربعة تأويلات:

أحدها: إِلاَّ أَمَانِيَّ: يعني: إلا كذباً، قاله ابن عباس ومجاهد، قال الشاعر:

ولكنما ذاك الذي كان منكما   أمانّي ما لاقت سماء ولا أرضا
والثاني: إِلاَّ أَمَانِيَّ، يعني، أنهم يَتَمَنَّونَ على الله ما ليس لهم، قاله قتادة.

والثالث: إِلاَّ أَمَانِيَّ، يعني [إلا أماني يعني إلا تلاوة من غير فهم قاله الفراء والكسائي ومنه قوله تعالى:إلاَّ إذَا تَمَنَّى ألْقَى الشيْطَانُ في أمنيِّتِه } [سورة الحج: 52] يعني ألقى الشيطانُ في أُمنيِّتِه، وقال كعب بن مالك:

تمنّى كتاب الله أول ليلهِ   وآخرَه لاقي حمام المقادر
والرابع: أنَّ الأَمَانِيَّ: التقدير، حكاه ابن بحر وأنشد قول الشاعر:

ولا تقولَنْ لشيء سوف أفعله   حتى تَبَيّنَ ما يمني لك الماني
(وإلا): في هذا الموضع بمعنى (لكن) وهو عندهم من الاستثناء المنقطع ومنه قوله تعالى:مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنَّ } [النساء: 157] قال النابغة:

حلفت يميناً غير ذي مثنوية   ولا علم إلا حسن ظن بصاحب
{ وَإِنْ هُم إِلاَّ يَظُنُّونَ } فيه وجهان:

أحدهما: يكذبون، قاله مجاهد.

والثاني: يحدثون، قاله البصريون.

قوله تعالى: { فَوَيلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِم } في الويل ستة أقاويل:

أحدها: أنه العذاب، قاله ابن عباس.

والثاني: أنه التقبيح، وهو قول الأصمعي. ومنه قوله تعالى:وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } [الأنبياء: 18]. وقال الشاعر:

كسا اللؤم سهما خضرة في جلودها   فويل لسهم من سرابيلها الخُضْرِ
والثالث: أنه الحزن، قاله المفضل.

والرابع: أنه الخزي والهوان.

والخامس: أن الويل وادٍ في جهنم، وهذا قول أبي سعيد الخدري.

والسادس: أنه جبل في النار، وهو قول عثمان بن عفان.

السابقالتالي
2