الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ }

قوله تعالى: {... وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُم يَسْمَعُون كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ } في ذلك قولان:

أحدهما: أنهم علماء اليهود والذين يحرفونه التوراة فيجعلون الحلال حراماً والحرام حلالاً ابتاعاً لأهوائهم وإعانة لراشيهم وهذا قول مجاهد والسدي.

والثاني: أنهم الذين اختارهم موسى من قومه، فسمعوا كلام الله فلم يمتثلوا أمره وحرفوا القول في إخبارهم لقومهم، وهذا قول الربيع بن أنس وابن إسحاق.

وفي كلام الله الذي يسمعونه قولان:

أحدهما: أنها التوراة التي عَلِمَها علماء اليهود.

والثاني: الوحي الذي كانوا يسمعونه كما تسمعه الأنبياء.

وفي قوله تعالى: { مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلَوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } وجهان:

أحدهما: من بعد ما سمعوه، وهم يعلمون أنهم يحرفونه.

والثاني: من بعد ما عقلوه، وهم يعلمون، ما في تحريفه من العقاب.

قوله تعالى: { وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ } فيهم قولان:

أحدهما: أنهم اليهود، إذا خلوا مع المنافقين، قال لهم المنافقون: أتحدثون المسلمين، بما فتح الله عليكم. والثاني: أنهم اليهود، قال بعضهم لبعض: { أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيكُم } وفيه أربعة أقاويل:

أحدها: بما فتح الله عليكم، أي مما أذكركم الله به، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثاني: بما أنزل الله عليكم في التوراة، من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبعثه، { ليُحَآجُّوكم بَهِ عِنْدَ رَبِّكُم } رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وهو قول أبي العالية وقتادة.

والثالث: أنهم أرادوا قول يهود بني قريظة، حين شبههم النبي صلى الله عليه وسلم، بأنهم إخوة القردة، فقالوا: من حدثك بهذا؟ وذلك حين أرسل إليهم، علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وهذا قول مجاهد.

والرابع: أن ناساً من اليهود أسلموا، ثم نافقوا فكانوا يحدثون المسلمين من العرب، بما عُذِّبَ به (آباؤهم)، فقال بعضهم لبعض، أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب، وهذا قول السدي.

وفي { فتح الله } وجهان:

أحدهما: بما علمكم الله.

والثاني: بما قضاه الله، والفتح عند العرب القضاء والحكم، ومنه قول الشاعر:

ألا أبلغ بني عُصُم رسولاً   بأني عن فِتاحِكُم غنيُّ
ويُقَالُ للقاضي: الفتّاح، ومنه قوله تعالى:رَبَّنَا افْتَح بَيْنَنَا وَبَينَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ } [الأعراف: 89].

قوله تعالى: { لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: { لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم } ، فَحُذِفَ ذكُر الكتاب إيجازاً.

والثاني: { لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم } فتظهر له الحُجَّة عليكم، فيكونوا أولى بالله منكم، وهذا قول الحسن.

والثالث: { لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم } يوم القيامة، كما قال تعالى:ثُمَّ إِنَّكُم يَومَ القيِامَةِ عِنْدَ رَبِّكُم تَخْتَصِمُونَ } [الزمر: 31].