قوله تعالى: {... وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُم يَسْمَعُون كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ } في ذلك قولان: أحدهما: أنهم علماء اليهود والذين يحرفونه التوراة فيجعلون الحلال حراماً والحرام حلالاً ابتاعاً لأهوائهم وإعانة لراشيهم وهذا قول مجاهد والسدي. والثاني: أنهم الذين اختارهم موسى من قومه، فسمعوا كلام الله فلم يمتثلوا أمره وحرفوا القول في إخبارهم لقومهم، وهذا قول الربيع بن أنس وابن إسحاق. وفي كلام الله الذي يسمعونه قولان: أحدهما: أنها التوراة التي عَلِمَها علماء اليهود. والثاني: الوحي الذي كانوا يسمعونه كما تسمعه الأنبياء. وفي قوله تعالى: { مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلَوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } وجهان: أحدهما: من بعد ما سمعوه، وهم يعلمون أنهم يحرفونه. والثاني: من بعد ما عقلوه، وهم يعلمون، ما في تحريفه من العقاب. قوله تعالى: { وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ } فيهم قولان: أحدهما: أنهم اليهود، إذا خلوا مع المنافقين، قال لهم المنافقون: أتحدثون المسلمين، بما فتح الله عليكم. والثاني: أنهم اليهود، قال بعضهم لبعض: { أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيكُم } وفيه أربعة أقاويل: أحدها: بما فتح الله عليكم، أي مما أذكركم الله به، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثاني: بما أنزل الله عليكم في التوراة، من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبعثه، { ليُحَآجُّوكم بَهِ عِنْدَ رَبِّكُم } رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وهو قول أبي العالية وقتادة. والثالث: أنهم أرادوا قول يهود بني قريظة، حين شبههم النبي صلى الله عليه وسلم، بأنهم إخوة القردة، فقالوا: من حدثك بهذا؟ وذلك حين أرسل إليهم، علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وهذا قول مجاهد. والرابع: أن ناساً من اليهود أسلموا، ثم نافقوا فكانوا يحدثون المسلمين من العرب، بما عُذِّبَ به (آباؤهم)، فقال بعضهم لبعض، أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب، وهذا قول السدي. وفي { فتح الله } وجهان: أحدهما: بما علمكم الله. والثاني: بما قضاه الله، والفتح عند العرب القضاء والحكم، ومنه قول الشاعر:
ألا أبلغ بني عُصُم رسولاً
بأني عن فِتاحِكُم غنيُّ
ويُقَالُ للقاضي: الفتّاح، ومنه قوله تعالى:{ رَبَّنَا افْتَح بَيْنَنَا وَبَينَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ } [الأعراف: 89]. قوله تعالى: { لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم } فيه ثلاثة أوجه: أحدها: { لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم } ، فَحُذِفَ ذكُر الكتاب إيجازاً. والثاني: { لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم } فتظهر له الحُجَّة عليكم، فيكونوا أولى بالله منكم، وهذا قول الحسن. والثالث: { لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم } يوم القيامة، كما قال تعالى:{ ثُمَّ إِنَّكُم يَومَ القيِامَةِ عِنْدَ رَبِّكُم تَخْتَصِمُونَ } [الزمر: 31].