الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَٰيَٰكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }

قولُهُ عزَّ وجلَّ: { وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ }:

اختلفوا فيها على ثلاثةِ أقاويلَ:

أحدها: أنها بيت المقدس، وهو قول قتادة، والربيع بن أنس.

والثاني: أنها قريةٌ ببيت المقدس، وهو قول السدي.

والثالث: أنها " أريحا " قرب بيت المقدس، وهو قول ابن زيد.

قوله عز وجل: { وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً }.

اختلفوا في الباب على قولين:

أحدهما: أنه باب حِطَّةَ وهو الباب الثامن ببيت المقدس، وهذا قول مجاهد، والسُّدِّيِّ.

والثاني: أنه باب القرية، التي أمروا بدخولها.

وفي قوله: { سُجَّداً } تأويلان:

أحدهما: يعني: رُكَّعاً، وهذا قول ابن عباس.

والثاني: معناه: خاضعين متواضعين. وأصل السجود الانحناء تعظيماً لمن يُسجَد له، وخضوعاً، ومنه قول الشاعر:

بَجَمْعٍ تَضَلُّ الْبَلْقُ في حُجُرَاتِهِ   تَرَى الأكْمَ فِيهِ سُجَّداً لِلْحَوافِرِ
وقال أعشى قيس:

يُرَاوِحُ مِنْ صَلَواتِ الْمِلَيـ   ـكِ طَوْراً سُجُوداً وَطَوْراً حِوَاراً
وفي قوله تعالى: { وَقُولُوا حِطَّةٌ } أربعةُ تأويلاتٍ:

أحدها: أنه قول: لا إله إلا الله، وهو قول عكرمة.

والثاني: أن " حِطَّة " المغفرة، فكأنه أمر بالاستغفار، وهو رواية سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ.

والثالث: هو قولهم: هذا الأمر حق كما قيل لكم، وهو رواية الضحاك، عن ابن عباسٍ.

والرابع: معناه: حُطَّ عنا خطايانا، وهو قول الحسن، وقتادة، وابن زيدٍ، وهو أشبهُ بظاهر اللفظ.

قوله عز وجل: { نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } أي نرحمْكم، ونسترها عليكم، فلا نفضحكم بالعقوبة عليها.

والخطأ: العدولُ عن القصد، يقال خَطِئ الشيءَ خَطَأً، إذا أصابه ولم يُرِدْهُ، وأَخْطَأَ يُخْطِئُ، إذا أراده ولم يُصِبْهُ، فالأول خاطئ والثاني مُخطِئ.

وأصل المغفرة: التغطية والستر؛ ولذلك قيل للبيضة من الحديد: مِغْفَرٌ، لأنها تُغَطِّي الرأسَ وتُغَطِّي الرأسَ وتُجِنُّهُ، ومنه قول أوسِ بنِ حجر:

وَلاَ أَعْتِبُ ابْنَ الْعَمِّ إِنْ كَانَ مُخْطِئاً   وَأَغْفِرُ عَنْهُ الْجَهْلَ إِنْ كَانَ جَاهِلاً
قوله تعالى: { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } يعني أنهم بَدَّلوا ما أمِروا به من قول وفعل، فأُمِرُوا أن يدخُلُوا الباب سُجَّداً، فَدَخَلُوا يزحفون على أستاهم، وأن يقولوا: حِطَّةٌ، فقالوا: حنطة في شعير، مستهزئين بذلك.

{ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً من السَّمَاءِ }:

وفي الرجز ثلاثة أقاويل:

أحدها: أنه العذاب، وهو قول ابن عباس وقتادة.

والثاني: أنه الغضب، وهو قول أبي العالية.

والثالث: أنه الطاعون، بعثه الله عليهم فأهلكهم، وبقي الأبناء، وهو قول ابن زيد.