الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَٰطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ }

قوله عز وجل: { وَلاَ تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِل } بعني لا تخلطوا الْحَقَّ بالباطلِ، واللبس خلط الأمور، وفيه قوله تعالى:وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } [الأنعام: 9] قال ابن عباسٍ: معناه: ولخلطنا عليهم ما كانوا يخلطون، ومنه قول العجاج:

لَمَّا لَبَسْنَ الْحَقَّ بِالتَّجَنِّي   غَنِينَ واسْتَبْدَلْنَ زَيْداً مِنِّي
وفي قوله: { الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ } فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها: الصدق، وهو قول ابن عباس.

والثاني: اليهودية والنصرانية بالإسلام، وهو قول مجاهد.

والثالث: الحقُّ: التوراةُ التي أُنْزِلَتْ على موسى، والباطلُ: الذي كتبوه بأيديهم.

وقوله تعالى: { وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ } يعني محمداً، ومعرفة نبوَّته، { وَاَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أنه في الكتب التي بأيديكم، وهذا قول الجميع.

قوله تعالى: { وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ }.

أما الصلاة: فقد مضى الكلام فيها.

وأما الزكاة: ففي تسمية صدقة الأموال بها، قولان:

أحدهما: أنه من تثمير المال وزيادته، ومنه قولهم: زَكا الزرع، إذا زاد، ويقال: زكا الفرد إذا صار زوجاً بزيادة الزائد عليه حتى صار شفعاً كما قال الشاعِرُ:

كَانُوا خَساً أَوْ زَكاً مِنْ دُونِ أَرْبَعَةٍ   لَمْ يُخْلَقُوا وَجُدُودُ النَّاسِ تَعْتَلِج
فخساً: الوِتر، وزكاً: الشفع، وقال الراجز:

فَلاَ خَساً عَدِيدُهُ وَلاَ زَكاً   كَمَا شِرَارُ الْبَقْلِ أَطْرَافُ السَّفَا
السَّفَا: شوك البهمي، والبهمي: الشوك الممدود مثل السبلى.

والقول الثاني: أنَّها مأخوذة من التطهير، ومنه قوله تعالى:أَقَتَلْتَ نَفَساً زَاكِيَةً } [الكهف: 74] أي طاهرة من الذنوب.

وفيما يُطهَّر قولان:

أحدهما: أنه تطهير المال حتى صار بأداء الحقِّ منه حلالاً ولولاه لخَبُثَ.

الثاني: تطهير نفس المزكي، فكأن المزكي طهَّر نفسه من الشُحِّ والبخل.

قوله تعالى: { وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ } فيه قولان:

أحدهما: أنه أراد جملة الصلاة، فعبر عنها بالركوع، كما يقول الإنسان: فَرَعْتُ من ركوعي، أي من صلاتي.

والثاني: أنه أراد الركوع الذي في الصلاة، لأنه لم يكن في صلاة أهل الكتاب ركوعٌ، فأَمَرَهُم بما لا يفعلونه في صلاتهم.

وفي أصل الركوع قولان:

أحدهما: أنه مأخوذ من التطامن والانحناء، وهو قول الخليل، وابن زيدٍ، قال لبيد بنُ ربيعة:

أخبّر أخبار القرون التي مضت   أدِبُّ كَأَنِّي كُلَّمَا قُمْتُ رَاكِعُ
والثاني: أنه مأخوذ من المذلَّة والخضوع، وهو قول الأصمعي والمفضل، قال الأضبطُ بنُ قريع السَّعْدِيُّ:

لاَ تُذِلَّ الضَّعِيفَ عَلَّكَ أَنْ تَرْ   كَعَ يَوْماً وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ