الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } * { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ }

قوله عز وجل: { وَقُلْنَا يا آدَمَ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ }.

إن الله تعالى خلق حواء من ضلع آدم الأيسر بعد أن ألقى عليه النوم، ولذلك قيل للمرأة: ضلع أعوج.

وسُمِّيت امرأةً لأنها خُلِقَتْ مِنَ المرءِ، فأما تسميتها حواء، ففيه قولان:

أحدهما: أنها سميت بذلك لأنها خلقت من حَيٍّ، وهذا قول ابن عباسٍ، وابن مسعود.

والثاني: أنها سميت بذلك، لأنها أم كل حيٍّ.

واختُلِف في الوقت الذي خلقت فيه حواءُ على قولين:

أحدهما: أن آدم أُدْخِلَ الجنَّةَ وَحْدَهُ، فَلَمَّا استوحش خُلِقَتْ حواءُ من ضِلْعِهِ بعد دخوله في الجنة، وهذا قول ابن عباسٍ، وابن مسعود.

والثاني: أنها خلقت من ضلعه قبل دخوله الجنة، ثم أُدْخِلا معاً إلى الجنةِ، لقوله تعالى: { وَقُلْنَا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ } ، وهذا قول أبي إسحاق.

واختلف في الجَنَّةِ التي أُسْكِنَاهَا على قولين:

أحدهما: أنها جنةُ الخُلد.

والثاني: أنها جنةٌ أعدها الله لهما، والله أعلم.

قوله عز وجل: { وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا }.

في الرغدِ ثلاثةُ تأويلاتٍ:

أحدها: أنه العيش الهني، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود، ومنه قول امرئ القيس:

بَيْنَمَا الْمَرْءُ تَرَاهُ نَاعِماً   يَأْمِنُ الأحْدَاثَ في عَيْشٍ رَغَدْ
والثاني: أنه العيش الواسع، وهذا قول أبي عبيدة.

والثالث: أنه أراد الحلال الذي لا حساب فيه، وهو قول مجاهد.

قوله عز وجل: { وَلاَ تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ }.

اختلف أهل التفسير في الشجرة التي نُهِيا عنها، على أربعةِ أقاويل:

أحدها: أنها البُرُّ، وهذا قول ابن عباس.

والثاني: أنها الكَرْمُ، وهذا قول السُّدِّيِّ، وجعدة بن هبيرة.

والثالث: أنها التِّين، وهذا قول ابن جريجٍ، ويحكيه عن بعض الصحابة.

والرابع: أنها شجرة الخلد التي تأكل منها الملائكة.

وفي قوله تعالى: { فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ } قولان:

أحدهما: من المعتدين في أكل ما لم يُبَحْ لكما.

والثاني: من الظالمين لأنفسكما في أكلكما.

واختلفُوا في معصية آدم بأكله من الشجرة، على أي وجهٍ وقعت منه، على أربعة أقاويل:

أحدها: أنه أكل منها وهو ناسٍ للنهي لقولِهِ تعالى:ولقد عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ } [طه: 115] وزعم صاحب هذا القول، أن الأنبياء يلزمهم التحفظ والتيقُّظُ لكثرة معارفهم وعُلُوِّ منازلهم ما لا يلزم غيرهم، فيكون تشاغله عن تذكُّر النهي تضييعاً صار به عاصياً.

والقول الثاني: أنه أكل منها وهو سكران فصار مؤاخذاً بما فعله في السُّكْرِ، وإن كان غير قاصدٍ له، كما يؤاخَذُ به لو كان صاحياً، وهو قول سعيد بن المسيب.

والقول الثالث: أنه أكل منها عامداً عالماً بالنهي، وتأول قوله:

السابقالتالي
2 3