الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }

{ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبَ }

قوله تعالى: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبَ } فيه تأويلان:

أحدهما: يصدقون بالغيب، وهذا قول ابن عباس.

والثاني: يخشون بالغيب، وهذا قول الربيع بن أنس.

وفي الأصل الإيمان ثلاثة أقوال:

أحدها: أن أصله التصديق، ومنه قوله تعالى: { وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا } أي بمصدِّق لنا.

والثاني: أن أصله الأمان فالمؤمن يؤمن نفسه من عذاب الله، والله المؤمِنُ لأوليائه من عقابه.

والثالث: أن أصله الطمأنينة، فقيل للمصدق بالخبر مؤمن، لأنه مطمئن. وفي الإيمان ثلاثة أقاويل:

أحدها: أنّ الإيمان اجتناب الكبائر.

والثاني: أن كل خصلة من الفرائض إيمان.

والثالث: أن كل طاعةٍ إيمان.

وفي الغيب ثلاثة تأويلات:

أحدها: ما جاء من عند الله، وهو قول ابن عباس.

والثاني: أنه القرآن، وهو قول زر بن حبيش.

والثالث: الإيمان بالجنة والنار والبعث والنشور.

{ وَيُقِيمونَ الصَّلوة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) }

وفي قوله تعالى: { وَيُقِيمُون الصَّلاَةَ } تأويلان:

أحدهما: يؤدونها بفروضها.

والثاني: أنه إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع فيها، وهذا قول ابن عباس.

واختُلف لِمَ سُمِّي فعل الصلاة على هذا الوجه إقامةً لها، على قولين:

أحدهما: من تقويم الشيء من قولهم قام بالأمر إذا أحكمه وحافظ عليه.

والثاني: أنه فعل الصلاة سُمِّي إقامة لها، لما فيها من القيام فلذلك قيل: قد قامت الصلاة.

وفي قوله: { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } ثلاثة تأويلات:

أحدها: إيتاء الزكاة احتساباً لها، وهذا قول ابن عباس.

والثاني: نفقة الرجل على أهلِهِ، وهذا قول ابن مسعود.

والثالث: التطوع بالنفقة فيما قرب من الله تعالى، وهذا قول الضحاك:

وأصل الإنفاق الإخراج، ومِنْهُ قيل: نَفَقَتِ الدابة إذا خرجت رُوحها.

واختلف المفسرون، فِيمَنْ نزلت هاتان الآيتان فيه، على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها نزلت في مؤمني العرب دون غيرهم، لأنه قال بعد هذا: { وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } يعني به أهْلَ الكتاب، وهذا قول ابن عباس.

والثاني: أنها مع الآيتين اللتين من بعد أربع آيات نزلت في مؤمني أهل الكتاب، لأنه ذكرهم في بعضها.

والثالث: أن الآيات الأربع من أول السورة، نزلت في جميع المؤمنين، وروى ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: " نزلت أربع آيات من سورة البقرة في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثَلاَث عَشْرَةَ في المُنافقين.