الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ }

قوله عز وجل: { للهِ مَا فِي السَّمَواتِ وما في الأرض } في إضافة ذلك إلى الله تعالى قولان:

أحدهما: أنه إضافة تمليك تقديره: الله يملك ما في السماوات وما في الأرض.

والثاني: معناه تدبير ما في السماوات وما في الأرض.

{ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ } إبداءُ ما في النفس هو العمل بما أضمروه، وهو مُؤَاخَذ به ومُحَاسَب عليه، وأما إخفاؤه فهو ما أضمره وحدّث به نفسه ولم يعمل به.

وفيما أراد به قولان:

أحدهما: أن المراد به كتمان الشهادة خاصة، قاله ابن عباس، وعكرمة، والشعبي.

والثاني: أنه عام في جميع ما حدَّث به نفسه من سوء، أو أضمر من معصية، وهو قول الجمهور.

واختلف في هذه الآية، هل حكمها ثابت في المؤاخذة بما أضمره وحدَّث به نفسه؟ أو منسوخ؟ على قولين:

أحدهما: أن حكمها ثابت في المؤاخذة بما أضمره، واختلف فيه من قال بثبوته على ثلاثة أقاويل:

أحدها: أن حكمها ثابت على العموم فيما أضمره الإِنسان فيؤاخِذ به من يشاء، ويغفر لمن يشاء، قاله ابن عمر، والحسن.

والثاني: حكمها ثابت في مؤاخذة الإِنسان بما أضمره وإن لم يفعله، إلا أنَّ الله يغفره للمسلمين ويؤاخذ به الكافرين والمنافقين، قاله الضحاك، والربيع، ويكون { فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ } محمولاً على المسلمين، { وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } محمولاً على الكافرين والمنافقين.

والثالث: أنها ثابتة الحكم على العموم في مؤاخذته المسلمين بما حدث لهم في الدنيا من المصائب والأمور التي يحزنون لها، ومؤاخذة الكافرين والمنافقين بعذاب الآخرة، وهذا قول عائشة رضي الله عنها.

والقول الثاني: أن حكم الآية في المؤاخذة بما أضمره الإنسان وحدث به نفسه وإن لم يفعله منسوخ. واختلف من قال بنسخها فيما نسخت به على قولين:

أحدهما: بما رواه العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة قال: انزل الله { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُم أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ } فاشتد ذلك على القوم فقالوا: يا رسول الله إنا لمؤاخذون بما نُحَدِّثُ به أنفسنا، هلكنا، فأنزل الله تعالى: { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } وهو أيضاً قول ابن مسعود.

والثاني: أنها نسخت بما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ } دخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها من شيء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا ". قال: فألقى الله الإيِمان في قلوبهم، قال: فأنزل الله: { ءَامَنَ الرَّسُولُ } الآية. فقرأ: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأَنَا }.

السابقالتالي
2