الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَٰهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } * { وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ } يعني ألم تعلم.

{ وَهُمْ أُلُوفٌ } فيه قولان:

أحدهما: يعني مُؤْتَلِفِي القلوب وهو قول ابن زياد.

والثاني: يعني ألوفاً في العدد.

واختلف قائلو هذا في عددهم على أربعة أقاويل:

أحدها: كانوا أربعة آلاف، رواه سعيد بن جبير، عن ابن عباس.

والثاني: كانوا ثمانية آلاف.

والثالث: كانوا بضعة وثلاثين ألفاً، وهو قول السدي.

والرابع: كانوا أربعين ألفاً، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً، والألوف تستعمل فيما زاد على عشرة آلاف.

ثم قال تعالى: { حَذَرَ الْمَوتِ } وفيه قولان:

أحدهما: أنهم فرّوا من الطاعون، وهذا قول الحسن، ورَوَى سعيد بن جبير قال: كانوا أربعة آلاف، خرجوا فراراً من الطاعون، وقالوا نأتي أرضاً ليس بها موت، فخرجوا، حتَّى إذا كانوا بأرض كذا، قال الله لهم: موتوا فماتوا، فمر عليهم نبي، فدعا ربه أن يحييهم، فأحياهم الله.

القول الثاني: أنهم فروا من الجهاد، وهذا قول عكرمة والضحاك.

{ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا } فيه قولان:

أحدهما: يعني فأماتهم الله، كما يقال: قالت السماء فمطرت، لأن القول مقدمة الأفعال، فعبر به عنها.

والثاني: أنه تعالى قال قولاً سمعته الملائكة. { ثُمَّ أَحْيَاهُمُ } إنما فعل ذلك معجزة لنبي من أنبيائه كان اسمه شمعون من أنبياء بني إسرائيل، وأن مدة موتهم إلى أن أحياهم الله سبعة أيام.

قال ابن عباس، وابن جريج: رائحة الموت توجد في ولد ذلك السبط من اليهود إلى يوم القيامة.

قوله عز وجل: { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهُ قَرْضاً حَسَناً } فيه تأويلان:

أحدهما: أنه الجهاد، وهو قول ابن زيد.

والثاني: أبواب البر، وهو قول الحسن، ومنه قول الشاعر:

وإذا جُوزِيتَ قَرضاً فاجْزِه   إنما يجزي الفتى ليس الجمل
قال الحسن: وقد جهلت اليهود لما نزلت هذه الآية فقالوا: إن الله يستقرض منا، فنحن أغنياء، وهو فقير، فأنزل الله تعالى:لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَولَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنحَنْ أَغْنِيَاءُ } [آل عمران: 181]. قوله تعالى: { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً } فيه قولان:

أحدهما: سبعمائة ضعف، وهو قول ابن زيد.

والثاني: لا يعلمه أحد إلا الله، وهو قول السدي.

{ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ } فيه تأويلان:

أحدهما: يعني في الرزق، وهو قول الحسن وابن زيد.

والثاني: يقبض الصدقات ويبسط الجزاء، وهو قول الزجاج.