قوله تعالى: { وَالْوَلِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَدَهُنَّ حَوْلَينِ كَامِلَيْنِ } والحول السنة، وفي أصله قولان: أحدهما: أنه مأخوذ من قولهم: حال الشيء إذا انقلب عن الوقت الأول، ومنه استحالة الكلام لانقلابه عن الصواب. والثاني: أنه مأخوذ من التحول عن المكان، وهو الانتقال منه إلى المكان الأول. وإنما قال حولين كاملين، لأن العرب تقول: أقام فلان بمكان كذا حولين وإنما أقام حولاً وبعض آخر، وأقام يومين وإنما أقام يوماً وبعض آخر، قال الله تعالى:{ وَاذْكُرُوا اللهَ في أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَومَينِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيهِ } [البقرة: 203] ومعلوم أن التعجل في يوم وبعض يوم. واختلف أهل التفسير فيما دلت عليه هذه الآية من رضاع حولين كاملين، على تأويلين: أحدهما: أن ذلك في التي تضع لستة أشهر فإن وضعت لتسعة أشهر أرضعت واحداً وعشرين شهراً، استكمالاً لثلاثين شهراً، لقوله تعالى:{ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } [الأحقاف: 15] وهذا قول ابن عباس. والثاني: أن ذلك أمر برضاع كل مولود اختلف والداه في رضاعه أن يرضع حولين كاملين، وهذا قول عطاء والثوري. ثم قال تعالى: { وَعَلَى الْمَولُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } يريد بالمولود له الأب عليه في ولده للمرضعة له رزقهن وكسوتهن بالمعروف وفيه قولان: أحدهما: أن ذلك في الأم المطلقة إذا أرضعت ولدها فلها رزقها من الغذاء، وكسوتها من اللباس. ومعنى بالمعروف أجرة المثل، وهذا قول الضحاك. والثاني: أنه يعني به الأم ذات النكاح، لها نفقتها وكسوتها بالمعروف في مثلها، على مثله من يسار، وإعسار. ثم قال تعالى: { لاَ تُضَار وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا } أي لا تمتنع الأم من إرضاعه إضراراً بالأب، وهو قول جمهور المفسرين. وقال عكرمة: هي الظئر المرضعة دون الأم. ثم قال تعالى: { وَلاَ مَولُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ } وهو الأب في قول جميعهم، لا ينزع الولد من أمه إضراراً بها. ثم قال تعالى: { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذلِكَ } فيه أربعة أقاويل: أحدها: أن الوارث هو المولود نفسه، وهذا قول قبيصة بن ذؤيب. والثاني: أنه الباقي من والدي بعد وفاة الآخر منهما، وهو قول سفيان. والثالث: أنه وارث الولد، وهذا قول الحسن، والسدي. والرابع: أنه وارث الولد، وفيه أربعة أقاويل: أحدها: وارثه من عصبته إذا كان أبوه ميتاً سواء كان عماً أو أخاً أو ابن أخ أو ابن عم دون النساء من الورثة، وهذا قول عمر بن الخطاب، ومجاهد. والثاني: ورثته من الرجال والنساء، وهو قول قتادة. والثالث: هم مِنْ ورثته من كان منهم ذا رحم محرم، وهذا قول أبي حنيفة. والرابع: أنهم الأجداد ثم الأمهات، وهذا قول الشافعي.