الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله عز وجل: { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ } يعني المخليات، والطلاق: التخلية كما يقال للنعجة المهملة بغير راع: طالق، فسميت المرأة المَخْلي سبيلها بما سميت به النعجة المهمل أمرها، وقيل إنه مأخوذ من طلق الفرس، وهو ذهابه شوطاً لا يمنع، فسميت المرأة المُخْلاَةُ طالقاً لأنها لا تمنع من نفسها بعد أن كانت ممنوعة، ولذلك قيل لذات الزوج إنها في حباله لأنها كالمعقولة بشيء، وأما قولهم طَلَقَتْ المرأة فمعناه غير هذا، إنما يقال طَلَقَتْ المرأة إذا نَفَسَتْ، هذا من الطلْق وهو وجع الولادة، والأول من الطَّلاَقِ.

ثم قال تعالى: { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ } أي مدة ثلاثة قروء، واختلفوا في الأقراء على قولين:

أحدهما: هي الحِيَضُ، وهو قول عمر، وعليّ، وابن مسعود، وأبي موسى، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وعكرمة، والسدي، ومالك، وأبي حنيفة، وأهل العراق، استشهاداً بقول الشاعر:

يا رُبَّ ذي صغن عليّ فارض   له قروءٌ كقروءِ الحائض
والثاني: هي الأطهار، وهو قول عائشة، وابن عمر، وزيد بن ثابت، والزهري، وأبان بن عثمان، والشافعي، وأهل الحجاز، استشهاداً بقول الأعشى:

أفي كلِّ عامٍ أنتَ جَاشِمُ غزوةً   تَشُدُّ لأقصاها عزِيمَ عزائِكَا
مُوَرّثَةً مالاً وفي الحيِّ رِفعَةٌ   لِمَا ضاعَ فيها من قروءِ نِسائكا
واختلفوا في اشتقاق القرء على قولين:

أحدهما: أن القرء الاجتماع، ومنه أخذ اسم القرآن لاجتماع حروفه، وقيل: قد قرأ الطعام في شدقه وقرأ الماء في حوضه إذا جمعه، وقيل: ما قرأتِ الناقة سَلَى قط، أي لم يجتمع رحمها على ولد قط، قال عمرو بن كلثوم:

تُرِيكَ إذا دَخَلْتَ على خَلاءٍ   وقد أمنَتْ عُيونُ الكَاشِحِينا
ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أدْمَاءَ بكرِ   هَجَانَ اللون لم تقرَأْ جَنِينَا
وهذا قول الأصمعي، والأخفش، والكسائي، والشافعي، فمن جعل القروء اسماً للحيض سماه بذلك، لاجتماع الدم في الرحم، ومن جعله اسماً للطهر فلاجتماعه في البدن.

والقول الثاني: أن القرء الوقت، لمجيء الشيء المعتاد مجِيؤه لوقت معلوم، ولإدبار الشيء المعتاد إدباره لوقت معلوم، وكذلك قالت العرب: أَقْرأَتْ حاجة فلان عندي، أي دنا وقتها وحان قضاؤها. وأَقْرَأَ النجم إذا جاء وقت أُفوله، وقرأ إذا جاء وقت طلوعه، قال الشاعر:

إذا ما الثُّرَيَّا وقد أقَرْأَتْ   ........................
وقيل: أقرأت الريح، إذا هبت لوقتها، قال الهذلي:

كَرِهتُ العقْرَ عَقْرَ بني شليل   إذا لِقَارئِهَا الرِّياح
يعني هبت لوقتها، وهذا قول أبي عمرو بن العلاء.

فمن جعل القرْء اسماً للحيض، فلأنه وقت خروج الدم المعتاد، ومن جعله اسماً للطهر، فلأنه وقت احتباس الدم المعتاد.

ثم قال تعالى: { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ في أَرْحَامِهِنَّ } فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها: أنه الحيض، وهو قول عكرمة، والزهري، والنخعي.

السابقالتالي
2