الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

قوله تعالى: { وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ } أما العرضة في كلام العرب، فهي القوة والشدة، وفيها ها هنا تأويلان:

أحدهما: أن تحلف بالله تعالى في كل حق وباطل، فتتبذل اسمه، وتجعله عُرضة.

والثاني: أن معنى عُرضة، أي علة يتعلل بها في بِرّه، وفيها وجهان:

أحدهما: أن يمتنع من فعل الخير والإصلاح بين الناس إذا سئل، فيقول عليّ يمين أن لا أفعل ذلك، أو يحلف بالله في الحال فيعتلّ في ترك الخير باليمين، وهذا قول طاووس، وقتادة، والضحاك، وسعيد بن جبير.

والثاني: أن يحلف بالله ليفعلن الخير والبر، فيقصد في فعله البر في يمينه، لا الرغبة في فعله.

وفي قوله: { أَن تَبَرُّواْ } قولان:

أحدهما: أن تبروا في أيمانكم.

والثاني: أن تبروا في أرحامكم.

{ وَتَتَقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ } هو الإصلاح المعروف { وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } سميع لأيمانكم، عليم باعتقادكم.

قوله تعالى: { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالَّلغوِ فيِ أَيْمانِكُم } أما اللغو في كلام العرب، فهو كل كلام كان مذموماً، وفضلا لا معنى له، فهو مأخوذ من قولهم لغا فلان في كلامه إذا قال قبحاً، ومنه قوله تعالى:وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ } [القصص:55]. فأما لغو اليمين التي لا يؤاخذ الله تعالى بها، ففيها سبعة تأويلات:

أحدها: ما يسبق به اللسان من غير قصد كقوله: لا والله، وبلى والله، وهو قول عائشة، وابن عباس، وإليه ذهب الشافعي، روى عبد الله بن ميمون، عن عوف الأعرابي، عن الحسن بن أبي الحسن قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم ينضلون يعني يرمون، ومع النبي صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه، فرمى رجل من القوم، فقال أصاب والله، أخطأت والله، فقال الذي مع النبي صلى الله عليه وسلم: حنث الرجل يا رسول الله، فقال: " كَلاَّ أَيْمَانُ الرَُمَاةِ لَغُّوٌ وَلاَ كَفَّارَةَ وَلاَ عُقٌوبَةَ ".

والثاني: أن لغو اليمين، أن يحلف على الشيء يظن أنه كما حلف عليه، ثم يتبين أنه بخلافه، وهو قول أبي هريرة.

والثالث: أن لغو اليمين أن يحلف بها صاحبها في حال الغضب على غير عقد قلب ولا عزم، ولكن صلة للكلام، وهو قول طاوس.

وقد روى يحيى بن أبي كثير عن طاووس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لاَ يَمِينَ فِي غَضَبٍ ".

والرابع: أن لغو اليمين أن يحلف بها في المعصية، فلا يكفر عنها، وهو قول سعيد بن جبير، ومسروق، والشعبي، وقد روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ نَذَرَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ فَلاَ نَذْرَ لَهُ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَلاَ يَمِينَ لَهُ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى قَطِيعَةِ رَحِمٍ فَلاَ يَمِينَ لَهُ ".


السابقالتالي
2