الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } * { فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى: { يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ } الآية: يعني يسألك أصحابك يا محمد عن الخمر والميسر وشربها، وهذه أول آية نزلت فيها.

والخمر كل ما خامر العقل فستره وغطى عليه، من قولهم خَمَّرتُ الإناء إذا غطيته، ويقال هو في خُمار الناس وغمارهم يراد به دخل في عُرضهم فاستتر بهم، ومن ذلك أُخذ خمار المرأة لأنه يسترها، ومنه قيل هو يمشي لك الخمر أي مستخفياً، قال العجاج:

في لامع العِقْبان لا يأتي الخَمَرْ   يُوجّهُ الأرضَ ويستاق الشّجَرْ
يعني بقوله لا يأتي الخمر أي لا يأتي مستخفياً لكن ظاهراً برايات وجيوش.

فأما الميسر فهو القمار من قول القائل يَسر لي هذا الشيء يَسْراً ومَيْسِراً، فالياسر اللاعب بالقداح ثم قيل للمقامر ياسر ويَسَر كما قال الشاعر:

فبت كأنني يَسَرٌ غبينٌ   يقلب بعدما اختلع القداحا
{ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ } قرأ حمزة والكسائي {..... كَثِيرٌ } بالثاء.

وفي إثمهما تأويلان:

أحدهما: أن شارب الخمر يسكر فيؤذي الناس، وإثم الميسر: أن يقامر الرجل فيمنع الحق ويظلم، وهذا قول السدي.

والثاني: أن إثم الخمر زوال عقل شاربها إذا سكر حتى يغْرُب عنه معرفة خالقه. وإثم الميسر: ما فيه من الشغل عن ذكر الله وعن الصلاة، ووقوع العداوة والبغضاء كما وصف الله تعالى:إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيطَانُ أَن يُوقِعَ بَينَكُمً الْعَدَاوَةَ والْبَغْضَاءَ فِي الْخمر والْمَيسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ } [المائدة: 90] وهذا قول ابن عباس.

وأما قوله تعالى: { وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } فمنافع الخمر أثمانها وربح تجارتها، وما ينالونه من اللذة بشربها، كما قال حسان بن ثابت:

ونشربها فتتركنا ملوكاً   وأُسْداً ما ينهنهنا اللقاءُ
وكما قال آخر:

فإذا شربت فإنني   رَبُّ الخَورْنق والسدير
وإذا صحوتُ فإنني   ربُّ الشويهة والبعير
وأما منافع الميسر ففيه قولان:

أحدهما: اكتساب المال من غير كدّ.

والثاني: ما يصيبون من أنصباء الجزور، وذلك أنهم كانوا يتياسرون على الجزور فإذا أفلح الرجل منهم على أصحابه نحروه ثم اقتسموه أعشاراً على عدة القداح، وفي ذلك يقول أعشى بني ثعلبة:

وجزور أيسار دعوت إلى الندى   أوساط مقفرة أخف طلالها
وهذا قول ابن عباس ومجاهد والسدي.

ثم قال تعالى: { وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعْهِمَا } فيه تأويلان:

أحدهما: أن إثمهما بعد التحريم أكبر من نفعهما بعد التحريم، وهو قول ابن عباس.

والثاني: أن كلاهما قبل التحريم يعني الإثم الذي يحدث من أسبابهما أكبر من نفعهما، وهو قول سعيد بن جبير.

وفي قوله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ } ستة تأويلات:

أحدها: بما فضل عن الأهل، وهو قول أبن عباس.

السابقالتالي
2 3