الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } * { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ }

قوله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةٍ الدُّنْيَا } فيه قولان:

أحدهما: يعني من الجميل والخير.

والثاني: من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرغبة في دينه.

{ وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ } فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها: أن يقول: اللهم اشهد عليّ فيه، وضميره بخلافه.

والثاني: معناه: وفي قلبه ما يشهد الله أنه بخلافه.

والثالث: معناه: ويستشهد الله على صحة ما في قلبه، ويعلم أنه بخلافه. وهي في قراءة ابن مسعود { وَيَسْتَشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ }.

{ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ } والألد من الرجال الشديد الخصومة، وفي الخصام قولان:

أحدهما: أنه مصدر، وهو قول الخليل.

والثاني: أنه جمع خصيم، وهو قول الزجاج.

وفي تأويل: { أَلَدُّ الْخِصَامِ } هنا أربعة أوجه:

أحدها: أنه ذو جدال، وهو قول ابن عباس.

والثاني: يعني أنه غير مستقيم الخصومة، لكنه معوجها، وهذا قول مجاهد، والسدي.

والثالث: يعني أنه كاذب، في قول الحسن البصري.

والرابع: أنه شديد القسوة في معصية الله، وهو قول قتادة.

وقد روى ابن أبي مليكة، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى الأَلَدُّ الخَصَمُ ".

وفيمن قصد بهذه الآية وما بعدها قولان:

أحدهما: أنه صفة للمنافق، وهذا قول ابن عباس، والحسن.

والثاني: أنها نزلت في الأخنس بن شريق، وهو قول السدي.

قوله تعالى: { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرْضِ } في قوله تولى تأويلان:

أحدهما: يعني غضب، حكاه النقاش.

والثاني: انصرف، وهو ظاهر قول الحسن.

وفي قوله تعالى: { لِيُفْسِدَ فِيهَا } تأويلان:

أحدهما: يفسد فيها بالصد.

والثاني: بالكفر.

{ وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ } فيه تأويلان:

أحدهما: بالسبي والقتل.

والثاني: بالضلال الذي يؤول إلى السبي والقتل.

{ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ } معناه لا يحب أهل الفساد. وقال بعضهم لا يمدح الفساد، ولا يثني عليه، وقيل أنه لا يحب كونه ديناً وشرعاً، ويحتمل: لا يحب العمل بالفساد.

قوله تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ } فيه تأويلان:

أحدهما: معناه دعته العزة إلى فعل الإثم.

والثاني: معناه إذا قيل له اتق الله، عزت نفسه أن يقبلها، للإثم الذي منعه منها.

قوله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللهِ } يشري نفسه أي يبيع، كما قال تعالى:وَشَرَوهُ بثَمَنٍ بَخْسٍ } [يوسف: 20] أي باعوه، قال الحسن البصري: العمل الذي باع به نفسه الجهاد في سبيل الله.

واخْتُلِفَ فيمن نزلت فيه هذه الآية، على قولين:

أحدهما: نزلت في رجل، أمر بمعروف ونهى عن منكر، وقتل، وهذا قول علي، وعمر، وابن عباس.

والثاني: أنها نزلت في صُهيب بن سنان اشترى نفسه من المشركين بماله كله، ولحق بالمسلمين، وهذا قول عكرمة.