قوله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةٍ الدُّنْيَا } فيه قولان: أحدهما: يعني من الجميل والخير. والثاني: من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرغبة في دينه. { وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ } فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: أن يقول: اللهم اشهد عليّ فيه، وضميره بخلافه. والثاني: معناه: وفي قلبه ما يشهد الله أنه بخلافه. والثالث: معناه: ويستشهد الله على صحة ما في قلبه، ويعلم أنه بخلافه. وهي في قراءة ابن مسعود { وَيَسْتَشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ }. { وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ } والألد من الرجال الشديد الخصومة، وفي الخصام قولان: أحدهما: أنه مصدر، وهو قول الخليل. والثاني: أنه جمع خصيم، وهو قول الزجاج. وفي تأويل: { أَلَدُّ الْخِصَامِ } هنا أربعة أوجه: أحدها: أنه ذو جدال، وهو قول ابن عباس. والثاني: يعني أنه غير مستقيم الخصومة، لكنه معوجها، وهذا قول مجاهد، والسدي. والثالث: يعني أنه كاذب، في قول الحسن البصري. والرابع: أنه شديد القسوة في معصية الله، وهو قول قتادة. وقد روى ابن أبي مليكة، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى الأَلَدُّ الخَصَمُ ". وفيمن قصد بهذه الآية وما بعدها قولان: أحدهما: أنه صفة للمنافق، وهذا قول ابن عباس، والحسن. والثاني: أنها نزلت في الأخنس بن شريق، وهو قول السدي. قوله تعالى: { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرْضِ } في قوله تولى تأويلان: أحدهما: يعني غضب، حكاه النقاش. والثاني: انصرف، وهو ظاهر قول الحسن. وفي قوله تعالى: { لِيُفْسِدَ فِيهَا } تأويلان: أحدهما: يفسد فيها بالصد. والثاني: بالكفر. { وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ } فيه تأويلان: أحدهما: بالسبي والقتل. والثاني: بالضلال الذي يؤول إلى السبي والقتل. { وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ } معناه لا يحب أهل الفساد. وقال بعضهم لا يمدح الفساد، ولا يثني عليه، وقيل أنه لا يحب كونه ديناً وشرعاً، ويحتمل: لا يحب العمل بالفساد. قوله تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ } فيه تأويلان: أحدهما: معناه دعته العزة إلى فعل الإثم. والثاني: معناه إذا قيل له اتق الله، عزت نفسه أن يقبلها، للإثم الذي منعه منها. قوله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللهِ } يشري نفسه أي يبيع، كما قال تعالى:{ وَشَرَوهُ بثَمَنٍ بَخْسٍ } [يوسف: 20] أي باعوه، قال الحسن البصري: العمل الذي باع به نفسه الجهاد في سبيل الله. واخْتُلِفَ فيمن نزلت فيه هذه الآية، على قولين: أحدهما: نزلت في رجل، أمر بمعروف ونهى عن منكر، وقتل، وهذا قول علي، وعمر، وابن عباس. والثاني: أنها نزلت في صُهيب بن سنان اشترى نفسه من المشركين بماله كله، ولحق بالمسلمين، وهذا قول عكرمة.