الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }

قوله تعالى: { ذَلِكَ الكِتَابُ } فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها: يعني التوراة والإنجيل، ليكون إخباراً عن ماضٍ.

والثاني: يعني به ما نزل من القرآن قبل هذا بمكة والمدينة، وهذا قول الأصم.

والثالث: يعني هذا الكتاب، وقد يستعمل ذلك في الإشارة إلى حاضر، وإن كان موضوعاً للإشارة إلى غائب، قال خُفاف بن ندبة:

أَقُولُ لَهُ والرُّمْحُ يَأْطِرُ مَتْنُهُ    تَأَمَّلْ خُفَافاً إِنَّنِي أَنَا ذَلِكَا
ومن قال بالتأويل الأول: أن المراد به التوراة والإنجيل، اختلفوا في المخاطب به على قولين:

أحدهما: أن المخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم، أي ذلك الكتاب الذي ذكرته في التوراة والإنجيل، هو الذي أنزلته عليك يا محمد.

والقول الثاني: أن المخاطب به اليهود والنصارى، وتقديره: أن ذلك الذي وعدتكم به هو هذا الكتاب، الذي أنزلته على محمد عليه وعلى آله السلام. قوله عز وجل: { لاَ رَيْبَ فيهِ } وفيه تأويلان:

أحدهما: أن الريب هو الشك، وهو قول ابن عباس، ومنه قول عبد الله بن الزِّبَعْرَى:

لَيْسَ في الْحَقِّ يَا أُمَيْمَةُ رَيْبٌ    إِنَّمَا الرَّيْبُ مَا يَقُولُ الْجَهُولُ
والتأويل الثاني: أن الريب التهمة ومنه قول جميل:

بُثَيْنَةُ قالتْ: يا جَمِيلُ أَرَبْتَنِيُ    فَقُلْتُ: كِلاَنَا يَا بُثَيْنَ مُرِيب
قوله عزَّ وجلَّ: { هُدىً لِلْمُتَّقِينَ } ، يعني به هدىً من الضلالة.

وفي المتقين ثلاثة تأويلات:

أحدها: أنهم الذين اتقوا ما حرم الله عليهم وأدَّوا ما افترض عليهم، وهذا قول الحسن البصري.

والثاني: أنهم الذين يحذرون من الله تعالى عقوبته ويرجون رحمته وهذا قول ابن عباس.

والثالث: أنهم الذين اتقوا الشرك وبرئوا من النفاق وهذا فاسد، لأنه قد يكون كذلك، وهو فاسق وإنما خص به المتقين، وإن كان هدىً لجميع الناس، لأنهم آمنوا وصدقوا بما فيه.