الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قوله تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ } أما الشهر فمأخوذ من الشهرة، ومنه قيل قد شهر فلان سيفه، إذا أخرجه، وأما رمضان فإن بعض أهل اللغة يزعم أنه سمي بذلك، لشدة ما كان يوجد فيه من الحر حتى ترمض فيه الفصال، كما قيل لشهر الحج ذو الحجة، وقد كان شهر رمضان يسمى في الجاهلية ناتقاً.

وأما مجاهد فإنه كان يكره أن يقال رمضان، ويقول لعله من أسماء الله عز وجل.

وفي إنزاله قولان:

أحدهما: أن الله تعالى أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في شهر رمضان في ليلة القدر منه، ثم أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم، على ما أراد إِنْزَالَهُ عليه.

روى أبو مسلم عن وائلة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأُنْزِلتِ التوراةُ لست مضين من رمضان، وأُنْزِلَ الإنجيلُ لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأُنْزِلَ القرآن لأربع وعشرين من رمضان.

والثاني: أنه بمعنى أنزل القرآن في فرض صيامه، وهو قول مجاهد.

قوله تعالى: { هُدًى لِلنَّاسِ } يعني رشاداً للناس.

{ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } أي بينات من الحلال والحرام، وفرقان بين الحق والباطل.

{ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } الشهر لا يغيب عن أحد، وفي تأويله ثلاثة أقاويل:

أحدها: فمن شهد أول الشهر، وهو مقيم فعليه صيامه إلى آخره، وليس له أن يفطر في بقيته، وهذا قول عليّ، وابن عباس، والسدي.

والثاني: فمن شهد منكم الشهر، فليصم ما شهد منه وهو مقيم دون ما لم يشهده في السفر، وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن البصري.

والثالث: فمن شهد بالغاً عاقلاً مُكَلَّفاً فليصمه، ولا يسقط صوم بقيته إذا جُن فيه، وهذا قول أبي حنيفة، وصاحبيه.

{ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرْ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وإنما أعاد ذكر الفطر بالمرض والسفر مع قرب ذكره من قبل، لأنه في حكم تلك الآية منسوخاً، فأعاد ذكره، لِئَلاَّ يصير بالمنسوخ مقروناً، وتقديره فمن كان مريضاً أو على سفر في شهر رمضان فأفطر، فعليه عدة ما أفطر منه، أن يقضيه من بعده.

واختلفوا في المرض الذي يجوز معه الفطر في شهر رمضان، على ثلاثة مذاهب:

أحدها: أنه كل مرضٍ لم يطق الصلاة معه قائماً، وهذا قول الحسن البصري.

والثاني: أنه المرض الذي الأغلب من أمر صاحبه بالصوم الزيادة في علته زيادة غير محتملة، وهو قول الشافعي.

والثالث: أنه كل مرض انطلق عليه اسم المرض، وهو قول ابن سيرين.

فأما السفر، فقد اختلفوا فيه على ثلاثة مذاهب:

أحدها: أنه ما انطلق اسم السفر من طويل أو قصير، وهذا قول داود.

السابقالتالي
2