الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } * { إِن الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ }

قوله عز وجل: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا } قيل: هم رؤساء اليهود، كعب ابن الأشرف، وكعب بن أسد، وابن صوريا، وزيد بن التابوت، هم الذين كتموا ما أنزل الله.

{ مَنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى } فيه قولان:

أحدهما: أن البينات هي الحجج الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، والهدى: الأمر باتباعه.

والثاني: أن البينات والهدى واحد، والجمع بينهما تأكيد، وذلك ما أبان عن نبوته وهدى إلى اتباعه.

{ مَنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ في الْكِتَابِ } يعني القرآن.

{ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ } فيهم أربعة أقوال:

أحدها: أنهم كل شيء في الأرض من حيوان وجماد إلا الثقلين الإنس والجن، وهذا قول ابن عباس والبراء بن عازب.

والثاني: اللاعنون: الاثنان إذا تلاعنا لحقت اللعنة مستحقها منهما، فإن لم يستحقها واحد منهما رجعت اللعنة على اليهود، وهذا قول ابن مسعود.

والثالث: أنهم البهائم، إذا يبست الأرض قالت البهائم هذا من أجل عُصاةِ بني آدم، وهذا قول مجاهد وعكرمة.

والرابع: أنهم المؤمنون من الإنس والجن، والملائكة يَلعنون مَنْ كَفَر بالله واليوم الآخر، وهذا قول الربيع بن أنس.

{ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا } يعني بالإسلام من كفرهم { وَأَصْلَحُوا } يحتمل وجهين:

أحدهما: إصلاح سرائرهم وأعمالهم.

والثاني: أصلحوا قومهم بإرشادهم إلى الإسلام { وَبَيَّنُوا } يعني ما في التوراة من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ووجوب اتَباعه { فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِم } والتوبة من العباد: الرجوع عن الذنب، والتوبة من الله تعالى: قبولها من عباده.

قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ } وإنما شرط الموت على الكفر لأن حُكْمَهُ يستقر بالموت عليه ويرتفع بالتوبة منه. { أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ } واللعنة من العباد: الطرد، ومن الله تعالى: العذاب. { وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } وقرأ الحسن البصري: { وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعُونَ } بالرفع، وتأويلها: أولئك جزاؤهم أن يلعنهم الله وتلعنهم الملائكة ويلعنهم الناس أجمعون.

فإن قيل: فليس يلعنهم جميع الناس لأن قومهم لا يلعنونهم، قيل: عن هذا جوابان:

أحدهما: أن اللعنة من أكثر الناس يطلق عليها لعنة جميع الناس، فغلب حكم الأكثر على الأقل.

والثاني: أن المراد به يوم القيامة يلعنهم قومهم مع جميع الناس كما قال تعالى:يَومَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضِ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } [العنكبوت: 25].

ثم قال تعالى: { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ } فيه تأويلان:

أحدهما: لا يخفف بالتقليل والاستراحة.

والثاني: لا يخفف بالصبر عليه والاحتمال له.

{ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } يحتمل وجهين:

أحدهما: لا يؤخرون عنه ولا يمهلون.

والثاني: لا ينظر الله عز وجل إليهم فيرحمهم.