الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } * { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ }

قوله تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُم } يعني أهل مكة، لما تقدم من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلها عليهم سنين كسني يوسفَ حين قحطوا سبع سنين، فقال الله تعالى مجيباً لدعاء نبيه: { وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالجُوعِ } الخوف يعني الفزع في القتال، والجوع يعني المجاعة بالجدب.

{ وَنَقْصٍ مِّنَ الأمَوَالِ } يحتمل وجهين:

أحدهما: نقصها بالجوائح المتلفة.

والثاني: زيادة النفقة في الجدب.

{ وَالأَنفُسِ } يعني ونقص الأنفس بالقتل والموت. { وَالثَّمَرَاتِ } قلة النبات وارتفاع البركات.

{ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } يحتمل ثلاثة أوجه:

أحدها: وبشر الصابرين على الجهاد بالنصر.

والثاني: وبشر الصابرين على الطاعة بالجزاء.

والثالث: وبشر الصابرين على المصائب بالثواب، وهو أشبه لقوله من بعد:

{ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا: إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } يعني: إذا أصابتهم مصيبة في نفس أو أهل أو مال قالوا: إنا لله: أي نفوسنا وأهلونا وأموالنا لله، لا يظلمنا فيما يصنعه بنا { وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } يعني بالبعث في ثواب المحسن ومعاقبة المسيء.

ثم قال تعالى في هؤلاء: { أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } الصلاة اسم مشترك المعنى فهي من الله تعالى الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الناس الدعاء، كما قال تعالى: { إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَأيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً }. وقال الشاعر:

صلّى على يحيى وأشياعه   رَبٌّ كريمٌ وشفيع مطاع
قوله تعالى: { أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِّن رَّبِّهِمْ } أي رحمة، وذكر ذلك بلفظ الجمع لأن بعضها يتلو بعضاً.

ثم قال: { وَرَحْمَةٌ } فأعادها مع اختلافها للفظين لأنه أوكد وأبلغ كما قال: { مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى }.

وفي قوله تعالى: { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } وجهان محتملان:

أحدهما: المهتدون إلى تسهيل المصائب وتخفيف الحزن.

والثاني: المهتدون إلى استحقاق الثواب وإجزال الأجر.