قوله تعالى: { وَإذْ جَعَلْنَا مَثَابَةً لِلنَّاسِ } فيه قولان: أحدهما: مجمعاً لاجتماع الناس عليه في الحج والعمرة. والثاني: مرجعاً من قولهم قد ثابت العلة إذا رجعت. وقال الشاعر:
مثاباً لأفناءِ القبائل كلها
تحب إليها اليعملات الذوامل
وفي رجوعهم إليه وجهان: أحدهما: أنهم يرجعون إليه المرة بعد المرة. والثاني: أنهم في كل واحد من نُسُكَيَ الحج والعمرة يرجعون إليه من حل إلى حرم؛ لأن الجمع في كل واحد من النسكين بين الحل والحرم شرط مستحق. قال تعالى: { وَأَمْناً } فيه قولان: أحدهما: لأمنه في الجاهلية من مغازي العرب، لقوله:{ وءَامَنَهُم مِنْ خَوفٍ } [قريش: 4]. والثاني: لأمن الجناة فيه من إقامة الحدود عليهم حتى يخرجوا منه. { وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى } روى حماد، عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب: قلت يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله تعالى: { وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى } بكسر الخاء من قوله واتخذوا على وجه الأمر، وقرأ بعض أهل المدينة: { وَاتَّخّذُوا } بفتح الخاء على وجه الخبر. واختلف أهل التفسير في هذا المقام، الذي أُمِرُوا باتخاذه مصلى، على أربعة أقاويل: أحدها: الحج كله، وهذا قول ابن عباس. والثاني: أنه عرفة ومزدلفة والجمار، وهو قول عطاء والشعبي. والثالث: أنه الحرم كله، وهو قول مجاهد. والرابع: أنه الحجر الذي في المسجد، وهو مقامه المعروف، وهذا أصح. وفي قوله: { مُصَلَّى } تأويلان: أحدهما: مَدْعَى يَدْعِي فيه، وهو قول مجاهد. والثاني: أنه مصلى يصلي عنده، وهو قول قتادة، وهو أظهر التأويلين. قوله تعالى: { وَعَهِدْنآ إِلى إبْرَاهِمَ وَإِسْمَاعِيلَ } فيه تأويلان: أحدهما: أي أَمَرْنَا. والثاني: أي أوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل. { أنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ } فيه ثلاثة أوجه: أحدها: من الأصنام. والثاني: من الكفار. والثالث: من الأنجاس. وقوله تعالى: { بَيْتِيَ } يريد البيت الحرام. فإن قيل: فلم يكن على عهد إبراهيم، قبل بناء البيت بيت يطهر، قيل: عن هذا جوابان: أحدهما: معناه وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن ابنيا بيتي مُطَهَّراً، وهذا قول السدي. والثاني: معناه أن طهرا مكان البيت. { لِلطَّائِفِينَ } فيهم تأويلان: أحدهما: أنهم الغرباء الذين يأتون البيت من غربة، وهذا قول سعيد بن جبير. والثاني: أنهم الذين يطوفون بالبيت، وهذا قول عطاء. { وَالْعَاكِفِينَ } فيهم أربعة تأويلات: أحدها: أنهم أهل البلد الحرام، وهذا قول سعيد بن جبير وقتادة. والثاني: أنهم المعتكفون وهذا قول مجاهد. والثالث: أنهم المصلون وهذا قول ابن عباس. والرابع: أنهم المجاورون للبيت الحرام بغير طواف، وغير اعتكاف، ولا صلاة، وهذا قول عطاء.