الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } * { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله تعالى: { وَإذْ جَعَلْنَا مَثَابَةً لِلنَّاسِ } فيه قولان:

أحدهما: مجمعاً لاجتماع الناس عليه في الحج والعمرة.

والثاني: مرجعاً من قولهم قد ثابت العلة إذا رجعت. وقال الشاعر:

مثاباً لأفناءِ القبائل كلها   تحب إليها اليعملات الذوامل
وفي رجوعهم إليه وجهان:

أحدهما: أنهم يرجعون إليه المرة بعد المرة.

والثاني: أنهم في كل واحد من نُسُكَيَ الحج والعمرة يرجعون إليه من حل إلى حرم؛ لأن الجمع في كل واحد من النسكين بين الحل والحرم شرط مستحق.

قال تعالى: { وَأَمْناً } فيه قولان:

أحدهما: لأمنه في الجاهلية من مغازي العرب، لقوله:وءَامَنَهُم مِنْ خَوفٍ } [قريش: 4].

والثاني: لأمن الجناة فيه من إقامة الحدود عليهم حتى يخرجوا منه.

{ وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى } روى حماد، عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب: قلت يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله تعالى: { وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى } بكسر الخاء من قوله واتخذوا على وجه الأمر، وقرأ بعض أهل المدينة: { وَاتَّخّذُوا } بفتح الخاء على وجه الخبر.

واختلف أهل التفسير في هذا المقام، الذي أُمِرُوا باتخاذه مصلى، على أربعة أقاويل:

أحدها: الحج كله، وهذا قول ابن عباس.

والثاني: أنه عرفة ومزدلفة والجمار، وهو قول عطاء والشعبي.

والثالث: أنه الحرم كله، وهو قول مجاهد.

والرابع: أنه الحجر الذي في المسجد، وهو مقامه المعروف، وهذا أصح.

وفي قوله: { مُصَلَّى } تأويلان:

أحدهما: مَدْعَى يَدْعِي فيه، وهو قول مجاهد.

والثاني: أنه مصلى يصلي عنده، وهو قول قتادة، وهو أظهر التأويلين.

قوله تعالى: { وَعَهِدْنآ إِلى إبْرَاهِمَ وَإِسْمَاعِيلَ } فيه تأويلان:

أحدهما: أي أَمَرْنَا.

والثاني: أي أوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل.

{ أنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: من الأصنام.

والثاني: من الكفار.

والثالث: من الأنجاس.

وقوله تعالى: { بَيْتِيَ } يريد البيت الحرام.

فإن قيل: فلم يكن على عهد إبراهيم، قبل بناء البيت بيت يطهر، قيل: عن هذا جوابان:

أحدهما: معناه وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن ابنيا بيتي مُطَهَّراً، وهذا قول السدي.

والثاني: معناه أن طهرا مكان البيت.

{ لِلطَّائِفِينَ } فيهم تأويلان:

أحدهما: أنهم الغرباء الذين يأتون البيت من غربة، وهذا قول سعيد بن جبير.

والثاني: أنهم الذين يطوفون بالبيت، وهذا قول عطاء.

{ وَالْعَاكِفِينَ } فيهم أربعة تأويلات:

أحدها: أنهم أهل البلد الحرام، وهذا قول سعيد بن جبير وقتادة.

والثاني: أنهم المعتكفون وهذا قول مجاهد.

والثالث: أنهم المصلون وهذا قول ابن عباس.

والرابع: أنهم المجاورون للبيت الحرام بغير طواف، وغير اعتكاف، ولا صلاة، وهذا قول عطاء.

السابقالتالي
2 3