الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } * { أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ }

قوله تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا في الأَرضِ } فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها: أنه الكفر.

والثاني: فعل ما نهى الله عنه، وتضييع ما أمر بحفظه.

والثالث: أنه ممالأة الكفار.

وكل هذه الثلاثة، فساد في الأرض، لأن الفساد العدول عن الاستقامة إلى ضدها.

واختلف فِيمَنْ أُريدَ بهذا القول على وجهين:

أحدهما: أنها نزلت في قوم لهم يكونوا موجودين في ذلك الوقت، وإنما يجيئون بعد، وهو قول سليمان.

والثاني: أنها نزلت في المنافقين، الذين كانوا موجودين، وهو قول ابن عباس ومجاهد.

{ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } فيه أربعة تأويلات:

أحدها: أنهم ظنوا أن في ممالأة الكفار صلاحاً لهم، وليس كما ظنوا، لأن الكفار لو يظفرون بهم، لم يبقوا عليهم، فلذلك قال: { أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ }.

والثاني: أنهم أنكروا بذلك، أن يكونوا فعلوا ما نهوا عنه من ممالأة الكفار، وقالوا إنما نحن مصلحون في اجتناب ما نهينا عنه.

والثالث: معناه أن ممالأتنا الكفار، إنما نريد بها الإصلاح بينهم وبين المؤمنين، وهذا قول ابن عباس.

والرابع: أنهم أرادوا أن ممالأة الكفار صلاح وهدى، وليست بفساد وهذا قول مجاهد.

فإن قيل: فكيف يصح نفاقهم مع مجاهدتهم بهذا القول؛ ففيه جوابان:

أحدهما: أنهم عرَّضوا بهذا القول، وكَنُّوا عنه من غير تصريح به.

والثاني: أنهم قالوا سراً لمن خلوا بهم من المسلمين، ولم يجهروا به، فبقوا على نفاقهم.