الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً } * { فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً }

قوله عز وجل: { وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنَ فَخَشِينآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً } قال سعيد بن جبير: وجد الخضر غلماناً يلعبون فأخذ غلاماً ظريفاً فأضجعه وذبحه، وقيل كان الغلام سداسياً وقيل أنه أراد بالسداسي ابن ست عشرة سنة، وقيل بل أراد أن طوله ستة أشبار، قاله الكلبي: وكان الغلام لصاً يقطع الطريق بين قرية أبيه وقرية أمه فينصره أهل القريتين ويمنعون منه.

قال قتادة: فرح به أبواه حين ولد، وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما. قيل كان اسم الغلام جيسور. قال مقاتل وكان اسم أبيه كازير، واسم أمه سهوى.

{ فَخَشِينآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْياناً وَكُفْراً } فيه ثلاة أوجه:

أحدهما: علم الخضر أن الغلام يرهق أبويه طغياناً وكفراً لأن الغلام كان كافراً قال قتادة: وفي قراءة أُبي { وَأَمَّا الغُلامُ فَكَانَ كَافِراً وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ } فعبر عن العلم بالخشية.

الثاني: معناه فخاف ربك أن يرهق الغلام أبويه طغياناً وكفراً، فعبر عن الخوف بالخشية قال مقاتل: في قراءة أبي { فَخَافَ رَبُّكَ } والخوف ها هنا استعارة لانتفائه عن الله تعالى.

الثالث: وكره الخضر أن يرهق الغلام أبويه بطغيانه وكفره إثماً وظلماً فصار في الخشية ها هنا ثلاثة أوجه:

أحدها: أنها العلم.

الثاني: أنها الخوف.

الثالث: الكراهة.

وفي { يُرْهِقَهُمَا } وجهان:

أحدهما: يكفلهما، قاله ابن زيد.

الثاني: يحملهما على الرهق وهو الجهد. { فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا ربهما خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: خيراً منه إسلاماً، قاله ابن جريج.

الثاني: خيراً منه علماً، قاله مقاتل.

الثالث: خيراً منه ولداً.

وكانت أمه حبلى فولدت، وفي الذي ولدته قولان:

أحدهما: ولدت غلاماً صالحاً مسلماً، قاله ابن جريج.

الثاني: ولدت جارية تزوجها نبي فولدت نبياً هدى الله على يديه أمة من الأمم.

{ وَأَقْرَبَ رُحْماً } فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يعني أكثر براً بوالديه من المقتول، قاله قتادة، وجعل الرحم البر، ومنه قول الشاعر:

طريدٌ تلافاه يزيد برحمةٍ   فلم يُلْف من نعمائه يتعذَّرُ
الثاني: أعجل نفعاً وتعطفاً، قال أبو يونس النحوي وجعل الرحم المنفعة والتعطف، ومنه قول الشاعر:

وكيف بظلم جارية...   ومنها اللين والرحم
الثالث: أقرب أن يرحما به، والرُّحم الرحمة، قاله أبو عَمْرو بن العلاء، ومنه قول الشاعر:

أحنى وأرحمُ مِن أمٍّ بواحدِها   رُحْماً وأشجع من ذي لبدةٍ ضاري