قوله عز وجل: { أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ } وفي تسميتهم مساكين أربعة أوجه: أحدها: لفقرهم وحاجتهم. الثاني: لشدة ما يعانونه في البحر، كما يقال لمن عانى شدة قد لقي هذا المسكين جهداً. الثالث: لزمانة كانت بهم وعلل. الرابع: لقلة حيلتهم وعجزهم عن الدفع عن أنفسهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " مِسْكِينٌ رَجُلٌ لاَ امرأة له " فسماه مسكيناً لقلة حيلته وعجزه عن القيام بنفسه لا لفقره ومسكنته. وقرأ بعض أئمة القراء " لِمَسَّاكِينَ " بتشديد السين، والمساكون هم الممسكون، وفي تأويل ذلك وجهان: أَحدهما: لممسكون لسفينتهم للعمل فيها بأنفسهم. الثاني: الممسكون لأموالهم شحاً فلا ينفقونها. { فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا } أي أن أُحْدِثَ فيها عيباً. { وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ } في قوله { وَرَآءَهُم مَّلِكٌ } وجهان: أحدهما: أنه خلفهم، وكان رجوعهم عليه ولم يعلموا به، قاله الزجاج. الثاني: أنه كان أمامهم. وكان ابن عباس يقرأ: { وَكَانَ أَمَامَمُم مَّلِكٌ } واختلف أهل العربية في استعمال وراء موضع أمام على ثلاثة أقاويل: أحدها: يجوز استعماله بكل حال وفي كل مكان وهو من الأضداد، قال الله تعالى { مِن وَرَائِهِم جَهَنَّمُ } أي من أمامهم وقدامهم جهنم قال الشاعر:
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي
وقومي تميم والفلاة ورائيا
يعني أمامي. الثاني: أن وراء يجوز أن يستعمل في موضع أمام في المواقيت والأزمان لأن الإنسان قد يجوزها فتصير وراءه ولا يجوز في غيرها. الثالث: أنه يجوز في الأجسام التي لا وجه لها كحجرين متقابلين كل واحد منهما وراء الآخر، ولا يجوز في غيره قاله ابن عيسى. { يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } قرأ ابن مسعود: يأخذ كل سفينة صالحة غصباً. وهكذا كان الملك يأخذ كل سفينة جيدة غصباً، فلذلك عباها الخضر لتسلم من الملك. وقيل إن اسم الملك هُدَد بن بُدَد، وقال مقاتل: كان اسمه مندلة بن جلندى بن سعد الأزدي.