الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً }

قوله عز وجل: { أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ } وفي تسميتهم مساكين أربعة أوجه:

أحدها: لفقرهم وحاجتهم.

الثاني: لشدة ما يعانونه في البحر، كما يقال لمن عانى شدة قد لقي هذا المسكين جهداً.

الثالث: لزمانة كانت بهم وعلل.

الرابع: لقلة حيلتهم وعجزهم عن الدفع عن أنفسهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " مِسْكِينٌ رَجُلٌ لاَ امرأة له " فسماه مسكيناً لقلة حيلته وعجزه عن القيام بنفسه لا لفقره ومسكنته.

وقرأ بعض أئمة القراء " لِمَسَّاكِينَ " بتشديد السين، والمساكون هم الممسكون، وفي تأويل ذلك وجهان:

أَحدهما: لممسكون لسفينتهم للعمل فيها بأنفسهم.

الثاني: الممسكون لأموالهم شحاً فلا ينفقونها.

{ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا } أي أن أُحْدِثَ فيها عيباً.

{ وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ } في قوله { وَرَآءَهُم مَّلِكٌ } وجهان:

أحدهما: أنه خلفهم، وكان رجوعهم عليه ولم يعلموا به، قاله الزجاج.

الثاني: أنه كان أمامهم. وكان ابن عباس يقرأ: { وَكَانَ أَمَامَمُم مَّلِكٌ }

واختلف أهل العربية في استعمال وراء موضع أمام على ثلاثة أقاويل:

أحدها: يجوز استعماله بكل حال وفي كل مكان وهو من الأضداد، قال الله تعالى { مِن وَرَائِهِم جَهَنَّمُ } أي من أمامهم وقدامهم جهنم قال الشاعر:

أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي   وقومي تميم والفلاة ورائيا
يعني أمامي.

الثاني: أن وراء يجوز أن يستعمل في موضع أمام في المواقيت والأزمان لأن الإنسان قد يجوزها فتصير وراءه ولا يجوز في غيرها.

الثالث: أنه يجوز في الأجسام التي لا وجه لها كحجرين متقابلين كل واحد منهما وراء الآخر، ولا يجوز في غيره قاله ابن عيسى.

{ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } قرأ ابن مسعود: يأخذ كل سفينة صالحة غصباً. وهكذا كان الملك يأخذ كل سفينة جيدة غصباً، فلذلك عباها الخضر لتسلم من الملك. وقيل إن اسم الملك هُدَد بن بُدَد، وقال مقاتل: كان اسمه مندلة بن جلندى بن سعد الأزدي.