{ فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَآ أَتَيآ أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا } اختلف في هذه القرية على ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها أنطاكية، قاله الكلبي. الثاني: أنها الأبُلة، قاله قتادة. الثالث: أنها باجروان بإرمينية، قاله مقاتل. { فَأَبَوْا إِن يُضَيِّفُوهُمَا } يقال أضفت الرجل إذا نزل عليك فأنت مضيف. وضفت الرجل إذا نزلت عليه فأنت ضيف. وكان الطلب منهما الفاقة عُذراً فيهما. والمنع من أهل القرية لشحٍ أثموا به. { فَوَجَدَا فِيها جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } أي كاد أن ينقض؛ ذلك على التشبيه بحال من يريد أن يفعل في التالي، كقول الشاعر:
يريد الرمح صدر أبي براءٍ..
. ويرغب عن دماءِ بني عقيل
ومعنى ينقض يسقط بسرعة، ويناقض ينشق طولاً. وقرأ يحيى بن يعمر { يُرِيدُ أَن يَنقَصَّ } بالصاد غير المعجمة، من النقصان. { فَأَقَامَهُ } قال سعيد بن جبير: أقام الجدار بيده فاستقام، وأصل الجدر الظهور ومنه الجدري لظهوره. وعجب موسى عليه السلام وقد { اسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا } فأقام لهم الجدار فـ { قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } قال قتادة: شر القرى لا تضيف الضيف ولا تعرف لابن السبيل حقه. قوله عز وجل: { قَالَ هَذا فِرَاقٌ بَيْنِي وَبَيْنِكَ } فيه وجهان: أحدهما: هذا الذي قلته { فِرَاقٌ بَيْنِي وَبَيْنِكَ } الثاني: هذا الوقت { فِرَاقٌ بَيْنِي وَبَيْنِكَ } { سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } يحتمل وجهين: أحدهما: لم تستطع على المشاهدة له صبراً. الثاني: لم تستطع على الإِمساك عن السؤال عنه صبراً. فروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى لَو صَبَرَ لاَقْتَبَسَ مِنْهُ أَلْفَ بَابٍ ".