الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } * { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً } * { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً }

قوله عز وجل: { فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها } لأنه أراد أن يعبر في البحر إلى أرض أخرى فركب في السفينة وفيها ركاب، فأخذ الخضر فأساً ومنقاراً فخرق السفينة حتى دخلها الماء وقيل إنه قلع منها لوحين فضج ركابها من الغرق.

فـ { قال } له موسى { أخرقتها لتغرق أهلها } وإن كان في غرقها غرق جميعهم لكنه أشفق على القوم أكثر من إشفاقه على نفسه لأنها عادة الأنبياء.

ثم قال بعد تعجبه وإكباره { لقد جئت شيئاً إمْراً } فأكبر ثم أنكر، وفي الإمر ثلاثة أوجه:

أحدها: يعني منكراً، قاله مجاهد.

الثاني: عجباً، قاله مقاتل.

الثالث: أن الإمر الداهية العظيمة، قاله أبو عبيدة وأنشد:

قد لقي الأقران مِنّي نُكْرا   داهيةً دهياء إدّاً إمْرا
وهو مأخوذ من الإمر وهو الفاسد الذي يحتاج إلى الصلاح، ومنه رجل إمر إذا كان ضعيف الرأي لأنه يحتاج أن يؤمر حتى يقوى رأيه، ومنه أمِر القومُ إذا أكثروا لأنهم يحتاجون إلى من يأمرهم وينهاهم.

قوله عز وجل: { قال لا تؤاخذني بما نسيتُ } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: بما نسيته وغفلت عنه فلم أذكره، وقد رفعه أبي بن كعب.

الثاني: بما كأني نسيته، ولم أنسه في الحقيقة. حكى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: لم ينس ولكنها معاريض الكلام.

الثالث: بما تركته من عهدك، قاله ابن عباس، مأخوذ من النسيان الذي هو الترك لا من النسيان الذي هو من السهو.

{ ولا تُرهقني مِنْ أمري عُسْراً } فيه أربعة أوجه:

أحدها: لا تعنفني على ما تركت من وصيتك، قاله الضحاك.

الثاني: لا يغشني منك العسر، من قولهم غلام مراهق إذا قارب أن يغشاه البلوغ، ومنه حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ارهقوا القبلة " أي اغشوها واقربوا منها.

الثالث: لا تكلفني ما لا أقدر عليه من التحفظ عن السهو والنسيان، وهو معنى قول مقاتل:

الرابع: لا يلحقني منك طردي عنك.

قوله تعالى: { فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله } يعني انطلق موسى والخضر فاحتمل أن يكون يوشع تأخر عنهما، لأن المذكور انطلاق اثنين وهو الأظهر لاختصاص موسى بالنبوة واجتماعه مع الخضر عن وحي، واحتمل أن يكون معهما ولم يذكر لأنه تابع لموسى، فاقتصر على ذكر المتبوع دون التابع لقول موسى: { ذلك ما كنا نبغي } فكان ذلك منه إشارة إلى فتاه يوشع.

واختلف في الغلام المقتول هل كان بالغاً، فقال ابن عباس: كان رجلاً شاباً قد قبض على لحيته لأن غير البالغ لا يجري عليه القلم بما يستحق به القتل، وقد يسمى الرجل غلاماً، قالت ليلى الأخيلية في الحجّاج:

شفاها من الداء العُضال الذي بها   غُلامٌ إذا هزَّ القَناةَ سقاها

السابقالتالي
2