الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } * { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً } * { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً }

قوله عز وجل: { ويوم نُسَيِّر الجبال } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: يسيرها من السير حتى تنتقل عن مكانها لما فيه من ظهور الآية وعظم الإعتبار.

الثاني: يسيرها أي يقللها حتى يصير كثيرها قليلاً يسيراً.

الثالث: بأن يجعلها هباء منثوراً.

{ وترى الأرض بارزة } فيه وجهان:

أحدهما: أنه بروز ما في بطنها من الأموات بخروجهم من قبورهم.

الثاني: أنها فضاء لا يسترها جبل ولا نبات.

{ وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً } فيه ثلاثة تأويلات.

أحدها: يعني فلم نخلف منهم أحداً، قاله ابن قتيبة، قال ومنه سمي الغدير لأنه ما تخلفه السيول.

الثاني: فلم نستخلف منهم أحداً، قاله الكلبي.

الثالث: معناه فلم نترك منهم أحداً، حكاه مقاتل.

قوله عز وجل: { وعُرِضوا على ربِّك صَفّاً } قيل إنهم يُعرضون صفاً بعد صف كالصفوف في الصلاة، وقيل إنهم يحشرون عراة حفاة غرلاً، فقالت عائشة رضي الله عنها فما يحتشمون يومئذ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " { لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه } " [عبس: 37].

قوله عز وجل: { ووضع الكتابُ } فيه وجهان:

أحدهما: أنها كتب الأعمال في أيدي العباد، قاله مقاتل.

الثاني: أنه وضع الحساب، قاله الكلبي، فعبر عن الحساب بالكتاب لأنهم يحاسبون على أعمالهم المكتوبة.

{ فترى المجرمين مشفقين مما فيه } لأنه أحصاه الله ونسوه.

{ ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يُغادِرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها }

وفي الصغيرة تأويلان:

أحدهما: أنه الضحك، قاله ابن عباس.

الثاني: أنها صغائر الذنوب التي تغفر باجتناب كبائرها.

وأما الكبيرة ففيها قولان:

أحدهما: ما جاء النص بتحريمه.

الثاني: ما قرن بالوعيد والحَدِّ.

ويحتمل قولاً ثالثاً: أن الصغيرة الشهوة، والكبيرة العمل.

قال قتادة: اشتكى القوم الإحْصاء وما اشتكى أحد ظلماً، وإياكم المحقرات من الذنوب فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه.

{ ووجَدوا ما عَملوا حاضِراً } يحتمل تأويلين:

أحدهما: ووجدوا إحصاء ما عملوا حاضراً في الكتاب.

الثاني: ووجدوا جزاء ما عملوا عاجلاً في القيامة.

{ ولا يظلم ربك أحداً } يعني من طائع في نقصان ثوابه، أو عاص في زيادة عقابه.