الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً }

قوله عز وجل: { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } هذا وإن كان خارجاً مخرج التخيير فهو على وجه التهديد والوعيد، وفيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنهم لا ينفعون الله بإيمانهم ولا يضرونه بكفرهم.

الثاني: فمن شاء الجنة فليؤمن، ومن شاء النار فليكفر، قاله ابن عباس.

الثالث: فمن شاء فليعرِّض نفسه للجنة بالإيمان، ومن شاء فليعرض نفسه للنار بالكفر.

{ إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها } فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها: أن سرادقها حائط من النار يطيف بهم، قاله ابن عباس.

الثاني: هو دخانها ولهيبها قبل وصولهم إليها، وهو الذي قال الله تعالى فيهإلى ظلٍّ ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب } [المرسلات: 30-31]. قاله قتادة.

الثالث: أنه البحر المحيط بالدنيا. روى يعلى بن أمية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " البحر هو جهنم " ثم تلا { ناراً أحاط بهم سرادقها } ثم قال " والله لا أدخلها أبداً ما دمت حياً ولا يصيبني منها قطرة " والسرادق فارسي معرب، واصله سرادر.

{ وإن يستغيثوا يُغَاثوا بماءٍ كالمهل... } فيه أربعة تأويلات:

أحدها: أنه القيح والدم، قاله مجاهد.

الثاني: دردي الزيت، قاله ابن عباس.

الثالث: أنه كل شيء أذيب حتى انماع؛ قاله ابن مسعود.

الرابع: هو الذي قد انتهى حره، قاله سعيد بن جبير، قال الشاعر:

شاب بالماء منه مهلاً كريهاً   ثم علّ المتون بعد النهال
وجعل ذلك إغاثة لاقترانه بذكر الاستغاثة.

{... بئس الشراب وساءت مرتفقاً } في المرتفق أربعة تأويلات:

أحدها: معناه مجتمعاً، قاله مجاهد، كأنه ذهب إلى معنى المرافقة.

الثاني: منزلاً قاله الكلبي، مأخوذ من الارتفاق.

الثالث: أنه من الرفق.

الرابع: أنه من المتكأ مضاف إلى المرفق، ومنه قول أبي ذؤيب:

نامَ الخَلِيُّ وَبِتُّ الليْلَ مُرْتَفِقاً   كَأَنَّ عَيْنِي فيها الصَّابُ مَذْبُوحُ