الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } * { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }

قوله تعالى: {... ولن تجد من دونه مُلتحداً } فيه أربعة تأويلات:

أحدها: ملجأ، قاله مجاهد، قال الشاعر:

لا تحفيا يا أخانا من مودّتنا   فما لنا عنك في الأقوام مُلتحد
الثاني: مهرباً، قاله قطرب، قال الشاعر:

يا لهف نفسي ولهفٌ غير مغنيةٍ   عني وما مِنْ قضاء الله ملتحدُ
الثالث: معدلاً، قاله الأخفش.

الرابع: ولياً، قاله قتادة. ومعانيها متقاربة.

قوله عز وجل: { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم } فيه وجهان:

أحدهما: يريدون تعظيمه. الثاني: يريدون طاعته. قال قتادة: نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فلما نزلت عليه قال: " الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر معهم ".

{ يدعون ربهم بالغداة والعشي } فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها: يدعونه رغبة ورهبة.

الثاني: أنهم المحافظون على صلاة الجماعة، قاله الحسن.

الثالث: أنها الصلاة المكتوبة، قاله ابن عباس ومجاهد.

ويحتمل وجهاً رابعاً: أن يريد الدعاء في أول النهار وآخره ليستفتحوا يومهم بالدعاء رغبة في التوفيق، ويختموه بالدعاء طلباً للمغفرة.

{ يريدون وجهه } يحتمل وجهين:

أحدهما: بدعائهم.

الثاني: بعمل نهارهم. وخص النهار بذلك دون الليل لأن عمل النهار إذا كان لله تعالى فعمل الليل أولى أن يكون له.

{ ولا تعد عيناك عنهم.. } فيه وجهان:

أحدهما: ولا تتجاوزهم بالنظر إلى غيرهم من أهل الدنيا طلباً لزينتها، حكاه اليزيدي. الثاني: ما حكاه ابن جريج أن عيينة بن حصن قال للنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم: لقد آذاني ريح سلمان الفارسي وأصحابه فاجعل لنا مجلساً منك لا يجامعونا فيه، واجعل لهم مجلساً لا نجامعهم فيه، فنزلت.

{ ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذِكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً }.

قوله { أغفلنا } فيه وجهان:

أحدهما: جعلناه غافلاً عن ذكرنا.

الثاني: وجدناه غافلاً عن ذكرنا.

وفي هذه الغفله لأصحاب الخواطر ثلاثة أوجه: أحدها: أنها إبطال الوقت بالبطالة، قاله سهل بن عبد الله.

الثاني: أنها طول الأمل.

الثالث: أنها ما يورث الغفلة.

{ واتبع هواه } فيه وجهان:

أحدهما: في شهواته وأفعاله.

الثاني: في سؤاله وطلبه التمييز عن غيره.

{ وكان أمرُه فُرُطاً } فيه خمسة تأويلات:

أحدها: ضيقاً، وهو قول مجاهد.

الثاني: متروكاً، قاله الفراء.

الثالث: ندماً قاله ابن قتيبة.

الرابع: سرفاً وإفراطاً، قاله مقاتل.

الخامس: سريعاً. قاله ابن بحر. يقال أفرط إذا أسرف وفرط إذا قصر.