الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً }

قوله عز وجل: {... فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلُ عَمَلاً صَالِحاً } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: يعني فمن كان يخاف لقاء ربه، قاله مقاتل، وقطرب.

الثاني: من كان يأمل لقاء ربه.

الثالث: من كان يصدّق بلقاء ربه، قاله الكلبي.

وفي لقاء ربه وجهان:

أحدهما: معناه ثواب ربه، قاله سعيد بن جبير.

الثاني: من كان يرجو لقاء ربه إقراراً منه بالعبث إليه والوقوف بين يديه.

{ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه الخالص من الرياء، قاله ذو النون المصري.

الثاني: أن يلقى الله به فلا يستحي منه، قاله يحيى بن معاذ.

الثالث: أن يجتنب المعاصي ويعمل بالطاعات.

{ وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً } فيه وجهان:

أحدهما: أن الشرك بعباته الكفر، ومعناه لا يُعْبَد معه غيرُه، قاله الحسن.

الثاني: أنه الرياء، ومعناه ولا يرائي بعمله أحداً، قاله سعيد بن جبير، ومجاهد.

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أَخْوَفُ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الشِّرْكَ وَالشَّهْوَةَ الخَفِيَّةَ " قيل: أتشرك أمتك بعدك؟ قال: " لاَ، أَمَّا أَنَّهُم لاَ يَعْبُدونَ شَمْساً وَلاَ قَمَراً وَلاَ حَجراً وَلاَ وَثَناً وَلكِنّهُم يُرَاءُونَ بِعَمَلِهِم " فقيل: يا رسول الله وذلك شرك؟ فقال: " نَعَم ". قيل: وما الشهوة الخفية، قال: " يُصْبِحُ أَحَدُهُم صَائِماً فَتَعْرِضُ لَهُ الشَّهْوَةُ مِن شَهَواتِ الدُّنْيَا فَيُفْطِرَ لَهَا وَيَتْرُكَ صَوْمَهُ ".

وحكى الكلبي ومقاتل: أن هذه الآية نزلت في جندب بن زهير العامري أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: إنا لنعمل العمل نريد به وجه الله فيثنى به علينا فيعجبنا، وأني لأصلي الصلاة فأطولها رجاء أن يثنى بها عليّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ أَنَا خَيرُ شَرِيكٍ فَمَنْ أَشَرَكَنِي فِي عَمَلٍ يَعْمَلُهُ لِي أَحَداً مِن خَلْقِي تَرَكْتُهُ وذلِكَ الشَّرِيكَ " ونزلت فيه هذه الآية: { فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً } فتلاها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل إنها آخر آية نزلت من القرآن.