الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }

قوله عز وجل: { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } فيها خمسة أقاويل:

أحدها: أنه جبريل عليه السلام، قاله ابن عباس. كما قال تعالىنزل به الروح الأمين } [الشعراء: 193].

الثاني: ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله تعالى بجميع ذلك، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

الثالث: أنه القرآن، قاله الحسن، كما قال تعالىوكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } [الشورى: 52] فيكون معناه أن القرآن من أمر الله تعالى ووحيه الذي أنزل عليّ وليس هو مني.

الرابع: أنه عيسى ابن مريم هو من أمر الله تعالى وليس كما ادعته النصارى أنه ابن الله، ولا كما افترته اليهود أنه لغير رشدة.

الخامس: أنه روح الحيوان، وهي مشتقة من الريح. قال قتادة سأله عنها قوم من اليهود وقيل في كتابهم أنه إن أجاب عن الروح فليس بنبيّ فقال الله تعالى { قل الروح من أمر ربي } فلم يجبهم عنها فاحتمل ذلك ستة أوجه:

أحدها: تحقيقاً لشيء إن كان في كتابهم.

الثاني: أنهم قصدوا بذلك الإعنات كما قصدوا اقتراح الآيات.

الثالث: لأنه قد يتوصل إلى معرفته بالعقل دون السمع.

الرابع: لئلا يكون ذلك ذريعة إلى سؤال ما لا يعني.

الخامس: قاله بعض المتكلمين، أنه لو أجابهم عنها ووصفها؛ بأنها جسم رقيق تقوم معه الحياة، لخرج من شكل كلام النبوة، وحصل في شكل كلام الفلاسفة. فقال { من أمر ربي } أي هو القادر عليه.

السادس: أن المقصود من سؤالهم عن الروح أن يتبين لهم أنه محدث أو قديم، فأجابهم بأنه محدث لأنه قال: { من أمر ربي } أي من فعله وخلقه، كما قال تعالى { إنما أمرنا لشيء }.

فعلى هذا الوجه يكون جواباً لما سألوه، ولا يكون على الوجوه المتقدمة جواباً.

{ وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } فيه وجهان:

أحدهما: إلا قليلاً من معلومات الله.

الثاني: إلا قليلاً بحسب ما تدعو الحاجة إليه حالاً فحالاً.

وفيمن أريد بقوله تعالى: { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } قولان:

أحدهما: أنهم اليهود خاصة، قاله قتادة.

الثاني: النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الخلق.