الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُوۤاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } * { قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً } * { أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيباً } * { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً }

قوله عز وجل: { وقالوا أئِذا كُنّا عظاماً ورفاتاً } فيه تأويلان:

أحدهما: أن الرفات التراب، قاله الكلبي والفراء.

الثاني: أنه ما أرفت من العظام مثل الفتات، قاله أبو عبيدة، قال الراجز:
صُمَّ الصَّفَا رَفَتَ عَنْهَا أَصْلُهُ   
قوله عز وجل: { قل كونوا حجارةً أو حديداً } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: معناه إن عجبتم من إنشاء الله تعالى لكم عظاماً ولحماً فكونوا أنتم حجارة أو حديداً إن قدرتم، قاله أبو جعفر الطبري.

الثاني: معناه أنكم: لو كنتم حجارة أو حديداً لم تفوتوا الله تعالى إذا أرادكم إلا أنه أخرجه مخرج الأمر لأنه أبلغ من الإلزام، قاله علي بن عيسى.

الثالث: معناه لو كنتم حجارة أو حديداً لأماتكم الله ثم أحياكم. { أو خَلْقاً ممّا يكبر في صدوركم } فيه أربعة أقاويل:

أحدها: أنه عنى بذلك السموات والأرض والجبال لعظمها في النفوس، قاله مجاهد.

الثاني: أنه أراد الموت لأنه ليس شيء أكبر في نفس ابن آدم منه وقد قال أمية ابن أبي الصلت:

نادوا إلههمُ ليسرع خلقهم   وللموت خلق للنفوس فظيعُ
وهذا قول ابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص.

الثالث: أنه أراد البعث لأنه كان أكبر شيء في صدروهم قاله الكلبي.

الرابع: ما يكبر في صدوركم من جميع ما استعظمتموه من خلق الله تعالى، فإن الله يميتكم ثم يحييكم ثم يبعثكم، قاله قتادة. {... فسينغضون إليك رءُوسَهُم } قال ابن عباس وقتادة، أي يحركون رؤوسهم استهزاء وتكذيباً، قال الشاعر:

قلت لها صلي فقالت مِضِّ   وحركت لي رأسها بالنغضِ
قوله عز وجل: { يَوْمَ يدعوكم فتستجيبون بحمده } في قوله تعالى يدعوكم قولان:

أحدهما: أنه نداء كلام يسمعه جميع الناس يدعوهم الله بالخروج فيه إلى أرض المحشر.

الثاني: أنها الصيحة التي يسمعونها فتكون داعية لهم إلى الاجتماع في أرض القيامة.

وفي قوله: { فتستجيبون بحمده } أربعة أوجه:

أحدها: فتستجيبون حامدين لله تعالى بألسنتكم.

الثاني: فتستجيبون على ما يقتضي حمد الله من أفعالكم.

الثالث: معناه فستقومون من قبوركم بحمد الله لا بحمد أنفسكم.

الرابع: فتستجيبون بأمره، قاله سفيان وابن جريج.

{ وتظنون إن لبثتم إلاّ قليلاً } فيه خمس أوجه:

أحدها: إن لبثتم إلا قليلاً في الدنيا لطول لبثكم في الآخرة، قاله الحسن.

الثاني: معناه الاحتقار لأمر الدنيا حين عاينوا يوم القيامة، قاله قتادة.

الثالث: أنهم لما يرون من سرعة الرجوع يظنون قلة اللبث في القبور.

الرابع: أنهم بين النفختين يرفع عنهم العذاب فلا يعذبون، وبينهما أربعون سنة فيرونها لاستراحتهم قليقلة؛ قاله الكلبي.

الخامس: أنه لقرب الوقت، كما قال الحسن كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل.